تفسير قوله تعالى: (أرأيت من اتخذ إلهه هواه)
قال الله تعالى: ﴿أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا﴾ [الفرقان: ٤٣].
أي: أرأيت يا محمد ببصيرتك وببصرك، فهذا خطاب للنبي عليه الصلاة والسلام وهو خطاب لكل المؤمنين ولكل الناس ممن يرى ذلك ببصره وببصيرته إن كانت له بصيرة.
فقوله: ﴿أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ﴾ [الفرقان: ٤٣] هذا استفهام تقريعي توبيخي، فيقرع الله جل جلاله فيه قلوب هؤلاء، ويعجب نبيه من هؤلاء الذين كفروا بربهم ولم يؤمنوا برازقهم كيف اتخذوا من هواهم إلهاً؟ وما الهوى إلا اتباع النزوات والشهوات مما تهواه الأنفس.
فمن هوى الفساد اتخذه إلهاً، ومن هوى الشرك اتخذه إلهاً، ومن هوى الفجور اتخذه إلهاً، وهكذا كان الكفرة، فقد كانوا يهوون الأحجار فيصنعون منها تمثالاً فيسجدون له ويركعون، ثم يملونه فيرمونه ويأتون بخشبة أو بحجر آخر فينحتونه ويتخذونه إلهاً، وقد يعطونه اسماً من الأسماء.
ويوجد في الكنائس والمتاحف أصناماً كثيرة، ويسمونها بـ مريم، وعيسى، وبإلههم الأكبر، حاشا الله من ذلك وتعالى علواً كبيراً.
وهذه الأحجار لا تدوم الآلاف من السنين، فهم في كل مرة يجددون حجراً ووثناً وصنماً، وتجدهم في كنائسهم يقفون أذلاء خاضعين متبذلين لعبادة هذا الصنم، فتقول لهم: هذا حجر قد يكون بال عليه كلب أو خنزير أو ثعلب فكيف تعبدون هذا؟ ولكن من اتخذ إلهه هواه، ومن صار الران على قلبه كيف تهديه؟ هكذا يقول الله لنبيه: ﴿أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا﴾ [الفرقان: ٤٣] أي: أتكون حافظاً وضامناً وكافلاً له حتى لا يفعل ذلك، فلا يكون هذا، قال تعالى: ﴿لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ﴾ [البقرة: ٢٧٢].
فليس على الرسل إلا البلاغ، وهو إبلاغ الرسالة التي كلف بها أنبياء الله أن يدعوا الناس إليها؛ حتى يسمعوهم بآذانهم، ويروهم بأعينهم المثال الكامل في سيرتهم أنفسهم، أما أن يجبروهم على الإسلام فلا، قال تعالى: ﴿إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ﴾ [القصص: ٥٦]، فالهداية ليست لك هي لله، فالله يهدي من يشاء، والقلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبهما كيف شاء جل جلاله.


الصفحة التالية
Icon