تفسير قوله تعالى: (لنحيي به بلدة ميتاً)
قال تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا * لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا﴾ [الفرقان: ٤٨ - ٤٩].
أنزل الله تعالى هذا الماء من السماء ليتطهر به من ليس على وضوء للصلاة وللطواف ونحوهما، ويقول تعالى: ﴿لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا﴾ [الفرقان: ٤٩] أي: وليحيي الله به بلدة ميتاً، ولم يقل: (بلدة ميّتة) على اعتبار أن البلدة مكان، أي: مكاناً ميتاً، وموضعاً ميتاً.
ومعنى موتها أن تجدها قاحلة وجافة لا تنبت شيئاً، أو فيها نبت وشجر وقد ذبل وأخذ ييبس ويضعف، فلو ترك على حاله لكان ميتاً، فإذا بنا نرى الماء قد نزل من السماء وإذا بالأرض تهتز، وإذا بالأرض التي قد كانت قاحلة جدباء قد أخذت تخضر وتينع بأنواع الثمار والفواكه والزهور والورود، فمن الذي أحيا ذلك؟! إنه الله جل جلاله، وبم أحياه جل جلاله؟! أحياه بهذا الماء الذي أنزله من السماء.
والإشارة بهذا إلى الإنسان الذي يتساءل: كيف سنحيا بعد أن نموت؟ فنحن نرى ذلك كل سنة، نرى الشجرة قد يبست وسقطت أوراقها ولم يبق إلا أغصان لا ورق فيها، ونرى الأرض قد أجدبت، وإذا بالمطر ينزل يغيثها فنرى الأرض -كما وصفها الله- تهتز وتربو، فنرى آثار الحياة في هذه النبتة وهذه الزهرة وهذه الثمرة وهذه الشجرة.
وهكذا الإنسان، فنحن نموت، ولابد من أن نموت، ولكن الله جل جلاله سيحيينا بعد الموت كما أحيا النبتة وأحيا الشجرة وأحيا الأرض الميتة وأحيا الثمرة والأوراق التي تحاتت، فهو جل جلاله الذي أحيا الأرض من بعد موت، وسيحيي الإنسان بعد الموت.