تفسير قوله تعالى: (فلا تطع الكافرين وجاهدهم به جهاداً كبيراً)
قال تعالى: ﴿فَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا﴾ [الفرقان: ٥٢].
يقول تعالى لنبيه عليه الصلاة والسلام: قد أرسلتك وحدك إلى الناس، ولو شئت لأرسلت إلى كل قرية رسولاً ونبياً وخففت عنك من ثقل المهمة والرسالة.
فالله شاء تشريفه وتكريمه وتعظيمه، فأرسله إلى كل القرى وكل المكلفين من البشر والجن منذ أُرسل وإلى يوم القيامة، ولذلك يقول الله له: ﴿فَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ﴾ [الفرقان: ٥٢] أي: لا تقبل من الكافرين قولاً في خلاف هذا، ولقد قال له اليهود: إنما أُرسلت إلى الوثنيين، ولم تُرسل إلى أهل الكتاب، فنحن على دين، وقال له النصارى مثل ذلك، ولا يزال البعض يقول هذا إلى الآن، وقال له البعض من الكفار: لم تُرسل إلا إلى العرب، ودينك لم يصلح عليه إلا العرب، فظن هؤلاء الكفار أن دين الإسلام هو دين البشر وليس دين الله ورسالة الله وأمر الله، ولذا بدل الحاخامات والأحبار والرُهبان وغيروا إلى أن كانت النتيجة تحريف الديانة اليهودية، فحُرّفت ثم نُسخت، وهكذا الديانة النصرانية يُكثر تلاعب علمائها بها، فقد بُدّلت وحُرّفت ثم نُسخت، وجاء على أنقاضها دين الإسلام دين محمد عليه الصلاة والسلام للناس كافة، فتحولت الديانتان إلى الوثنية، فهؤلاء يعبدون عيسى ومريم، وأولئك يعبدون عزيزاً كما عبدوا العجل، ومن يقل منهم: إنه لا يعبد ذلك فإنه يعبد ذواتاً، فيعبد الطبيعة ويعبد الإنسان.
وبذلك انتقلت التوراة والإنجيل عن التوحيد والدعوة إلى الله إلى الدعوة إلى الوثنية وعبادة البشر، على ما فيهما من افتراء على الأنبياء وقذف لهم، وافتراء على الله وقلة أدب معه جل جلاله.