معنى قوله تعالى: (وجعل بينهما برزخاً وحجراً محجوراً)
قال تعالى: ﴿وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَحْجُورًا﴾ [الفرقان: ٥٣] هذا هو المغزى وهذه هي التتمة، حيث جعل تعالى بين هذا الماء والآخر حاجزاً، ومنع هذا أن يفسده ملح البحر، ومنع الآخر أن يُفسده حلاوة الماء وفراته، ذلك لأن الإنسان في الأرض يحتاج إلى هذا وذاك، فالماء الحلو لشرابنا ولزرعنا وطبخنا وحوائجنا -نحن الأحياء- على الأرض، وأما مياه البحر المالحة فلولا وجودها في الأرض لأنتن الكون، ولمات الناس اختناقاً بالجيف الكثيرة المتراكم بعضها على بعض.
وكثيراً ما نسمع أن الأجواء في المحلات الفلانية اختلطت وفسدت، لكثرة المعامل وكثرة المداخن، فيتسمم الجو، فيحتاج الإنسان إلى الانتقال عن ذلك المكان أو يمرض، وكثيراً ما تنتشر الأمراض في العاملين في تلك الأماكن نتيجة هذا الذي يحدث في الجو.
فمياه البحر كثيرة، وهي محيطة بالأرض بملوحتها، فتنقي الأرض من نتنها وأوساخها وقاذوراتها، فالإنسان في حاجة شديدة إليها، وكذلك سائر خلق الله.
يقول تعالى: ﴿وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا﴾ [الفرقان: ٥٣] البرزخ: الحاجز والمانع، فهو يمنعهما من الاختلاط ﴿وَحِجْرًا مَحْجُورًا﴾ [الفرقان: ٥٣] أي: مانعاً وحاجزاً يمنع اختلاط هذا بهذا، فهذا في عذوبته إلى الأبد، وذاك في ملوحته إلى الأبد، وذاك من قدرة الله التي انفرد بها وحده جل جلاله.