تفسير قوله تعالى: (تبارك الذي جعل في السماء بروجاً)
قال تعالى: ﴿تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا﴾ [الفرقان: ٦١].
يلفت الله جل جلاله أنظارنا ويرينا قدرته، ويرينا خلقه، ويرينا أنه القادر والخالق لكل شيء، ويعمم ثم يخصص، فهو تعالى الذي خلق السماوات العلى، وخلق الأرضين، وخلق مابين ذلك.
ثم عاد فقال: ﴿تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا﴾ [الفرقان: ٦١]، فعظم نفسه، ونزه نفسه، وقدس نفسه، وهو الأهل لذلك، وهو الجدير بذلك، وبذلك يأمرنا، قال تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات: ٥٦].
والبروج: هي هذه الكواكب الكبيرة: كعطارد، والقمر، والمشتري، والزهرة.
وقال البعض: البروج هي منازل الكواكب، وذكروا الجدي والعقرب والحمل، وقالوا: هي اثنا عشر برجاً، ولكن لا شيء يدل على هذا من كتاب الله أو سنة نبيه صلى الله عليه وسلم.
يقول تعالى: ﴿تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا﴾ [الفرقان: ٦١] أي: في العلو، وإلا فهذه البروج هي خلق الله بين السماء والأرض وليست داخل السماء كالقمر، ليس داخل السماء ونحن نراه، بل هي ما قال الله عنه: ﴿وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ﴾ [الملك: ٥]، فهذه المصابيح التي نرى مصابيح زين بها السقف، والسقف هو السماء، فزينها الله بذلك، وجعلها علامات الاهتداء في الذهاب والإياب.
وكان بدو الجزيرة العربية أعلم الناس بذلك، فهم يستطيعون السير في الصحاري التي لا علامة فيها على شرق ولا غرب ولا جنوب ولا شمال، فبالأنجم يعلمون الطرق شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً، ومن لا يعلم ذلك يهلك في الصحاري عطشاً أو ضلالاً.
وقل مثل هذا الآن في الطائرات وفي السفن، إذ السماء لا علامة فيها، والبحار عندما تدخلها السفن لا علامة فيها، فيهتدون بإشارات الرادار ونحوه، ولكن كل ذلك مبني على النجوم، فهذه الإشارة تكون في الشرق، وهذه تكون في الغرب، وهذه تكون في الشمال، وهذه تكون في الجنوب، وهكذا.
قال تعالى: ﴿وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا﴾ [الفرقان: ٦١] أي: شمساً سراجاً، والسراج: المصباح، وهي كما قال تعالى: ﴿وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا﴾ [نوح: ١٦]، فجعل الشمس سراجاً أضاء الدنيا، فالضوء الذي نراه في النهار ناشئ عن الشمس، والعتمة التي تأتي في الليل نتيجة غيبوبة ضياء الشمس، فإذا أشرقت أو قاربت تجد الضياء قد شع والنهار قد سطع والأنوار ظهرت.
كذلك أنار الله تعالى القمر، وقد قالوا: إن نور القمر من غير نور الشمس، وذلك يحتمل، والآية لا تؤكده، فقد يكون نور القمر مستمداً من الشمس، وقد يكون للقمر نور خاص به، فالله ذكر القمر منيراً، ونحن نراه كذلك عندما يصبح بدراً، أما إذا كان هلالاً فإن نوره يتضاءل، ولكنه نور على كل حال، وإنما يكون أضوء ما يكون عندما يصبح بدراً منيراً في الليالي الإضحيانية كما سمتها السنة المطهرة، والليالي الإضحيانية هي ليلة الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر.


الصفحة التالية
Icon