تفسير قوله تعالى: (والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر)
قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا﴾ [الفرقان: ٦٨].
ذكر الله جل جلاله في هذه الآية الكريمة أن من صفات هؤلاء العابدين الصادقين أنهم لا يدعون مع الله إلهاً غيره، فلا يشركون بالله، ولا يعبدون غير الله، وليس لهم إله إلا الله، ولا رب ولا خالق ولا معبود غيره، فهم المؤمنون بالله حقاً، وهم الموحدون لربهم ذاتاً وصفات وأفعالاً، فهم الذين إذا استعانوا استعانوا بالله، وإذا سألوا سألوا الله، وإذا خافوا خافوا من الله، وعلموا أن الله أكبر من كل كبير، فهو الله الخالق الرازق الجدير وصاحب الحق في العبادة، وكل من عداه من الشركاء إنما عبدهم من لم يعبد الله حقاً، وزعمهم شركاء من لم يوحد الله حقاً، فمن تمام صفة المؤمن أن يكون عابداً لله وحده، فلا يتخذ إلهاً غيره ولا معبوداً سواه.
ثم هو لا يقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، فلا يعتدي على الأرواح، ولا يسفك الدماء إلا بحقها، وحق سفك الدم يرجع إلى الحاكم لا إلى عامة الناس، فالروح عصمها الله تعالى عن أن تزهق، إلا إذا زلت في أعمالها، وارتكبت ما ذكره النبي عليه الصلاة والسلام في قوله: (لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: كفر بعد إيمان، أو زناً بعد إحصان، وقتل نفس بغير نفس).
فإن كان مسلماً فارتد فأمر بالعودة إلى الإسلام وبالتوبة فأبى، فإنه يقتل حداً لردته، وإن تزوج يوماً -ولو بقي بعد ذلك بلا زوجة- فإنه يعتبر محصناً، فإذا زنى يرجم حتى الموت، وإن أزهق نفس مسلم بغير حق فإنه يقتل به قصاصاً جزاء إزهاقه لروح غيره ظلماً وعدواناً.
وهذا معنى الآية الحق: ﴿وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ﴾ [الفرقان: ٦٨].
فالنفس المؤمنة معصومة محصنة لا يجوز إزهاقها ولا يجوز قتلها ما لم يكن ذلك بحق، والقتل بالحق هو ما سبق ذكره، ومع ذلك لا يكون للإنسان أن يأخذ حقه بيده، ولكن الحاكم المسلم هو الذي يتولى ذلك.