تفسير قوله تعالى: (إلا من تاب وآمن وعمل عملاً صالحاً)
قال تعالى: ﴿إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ [الفرقان: ٧٠].
إلا من سبق أن أجرم أو أذنب وكان كافراً، ثم تاب إلى الله توبة نصوحاً، ومن تاب تاب الله عليه، والإسلام يجب ويقطع ما قبله إذا كان مشتملاً على صفات التوبة من الندم على ما سبق، والعزم على ألا يعود، وارتكاب حسنة مكان سيئة صنعها كما قال صلى الله عليه وسلم، وقد أمرنا بأن نفعل حسنة مكان السيئة لتمحوها وتزيلها وتقضي عليها.
ومعنى ذلك أن جميع الجرائم من الكفر بالله وإزهاق النفس التي حرم الله وبقية الجرائم على مختلف أنواعها إذا أقيم على فاعلها الحد ثم تاب إلى الله بعد ذلك وعمل صالحاً فعوض سيئاته بأن أكثر من الحسنات، ومن الطاعات، ومن العبادات، فإن الله يبدل سيئاته حسنات.
وهذه الآية متعلقة بتوبة الكفار، فقوله تعالى: ﴿إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ﴾ [الفرقان: ٧٠] أي: تاب من ذنوبه، وآمن بعد كفره، وعمل عملاً صالحاً بعد ذلك، والعمل الصالح هو القيام بالأركان الخمسة فرائضها وسننها وآدابها، والتحلي بالأخلاق الكريمة والتخلي عن الأخلاق الرذيلة، وفعل الطاعات بقدر المستطاع، وترك السيئات جميعها.
فمن تاب وآمن ثم عمل الصالحات فإن الله لا يتوب عليه فحسب، بل يبدل سيئاته حسنات.
وقد فسر الآية علماؤنا وصحابة نبينا صلى الله عليه وسلم، فقال بعضهم: يلهمهم وهم في الدنيا أن يجعلوا مكان السيئة الحسنة، فيفعلون الحسنات، وفي مكان كل سيئة يعملون حسنة، فتمحوا السيئة الأولى.
وقال قوم: بل إنه في الآخرة يبدل الله سيئات المذنب بحسنات، فيعفو عنها، ويضع مكانها حسنات ويجازيه عليها ويدخله الجنة.
واستدلوا بحديث يدل على أن ذلك يكون بعد عذابه وبعد عقوبته، وهو إخبار النبي عليه الصلاة والسلام بآخر رجل يخرج من النار، فيعرض على ربه للحساب فتعرض عليه صغائر ذنوبه، وإذا بالله الكريم يعوض ذنوبه وسيئاته حسنات، فعندما يرى فضل الله وعفو الله وكرم الله فإنه يطمع بعد نجاته من النار فيقول: يا رب! إن لي سيئات كباراً ما رأيتها ذكرت، فيذكر ذنوبه الكبار، قال راوي الحديث: فضحك ﷺ حتى بدت نواجذه.
والقول الأول: أن تغير الحسنات في الدنيا بأن يلهم الله المؤمن ويعطيه العون في تبديل السيئة بالحسنة، كأن يكون قد قاتل قتالاً أزهق فيه أرواحاً وهو ظالم، فهو بعد ذلك يقاتل في سبيل الله فيقتل أرواحاً كافرة إعلاءً لكلمة الله.
وكأن يكون قد منع حقوقاً لأناس، فيعود فيؤدي تلك الحقوق لأصحابها إن استطاع، وإلا طلب من أولئك العفو والسماح إن كان يعرفهم، وإلا تصدق وأكثر من الصدقات وأكثر من النفقات وأكثر من العطاء، ليبدل الله بذلك سيئاته حسنات.
أما يوم القيامة فالله جل جلاله يعطي من شاء ما شاء إن مات على التوحيد، قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ﴾ [النساء: ٤٨].
وقوله تعالى: ﴿يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ﴾ [الفرقان: ٦٩] معناه أن عذابه يكون مضاعفاً مكرراً، فيجازى بالسيئة سيئة وبالعذاب عذاباً إن مات على الشرك، أما إذا تاب، وآمن، وعمل العمل الصالح فالله يبدل سيئاته حسنات.
قال تعالى: ﴿وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ [الفرقان: ٧٠] (غفوراً) صيغة مبالغة، أي: كثير المغفرة لذنوب عباده التائبين النادمين على ما صدر عنهم، الآتين بالحسنات مكان السيئات، الرحيم بعباده بعد ذلك، فيرحم ضعفهم ويرحم ذلهم، فيعود عليهم بالتوبة، ويعود عليهم بالرحمة، ويبدل السيئات حسنات، فيدخلهم الجنة وقد كانوا في النار أولاً، وقد يدخلون الجنة ولا يدخلون النار البتة رحمة من الله وغفراناً.