تفسير قوله تعالى: (والذين لا يشهدون الزور)
قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا﴾ [الفرقان: ٧٢].
هذه من صفات المؤمنين العابدين، حيث يقول تعالى: ﴿وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ﴾ [الفرقان: ٧٢]، والزور هنا فسر بالباطل، وهو كل أنواع الآثام، وكل أنواع الذنوب، وكل أنواع الباطل، وكل أنواع اللغو.
وأصل الزور: تلبيس الباطل بلباس الحق المزخرف بالقول أو بالعمل، كما تزور المرأة القرعاء شعرها أمام الناس، فتأتي بالشعر فتضعه على رأسها، وكما يزور الأشيب ذو اللحية البيضاء لحيته فيسودها ليوهم الناس أو من يريد الزواج بها إن كانت امرأة أنه لا يزال صغيراً، وهكذا قل عن كل شيء زخرف وغير عن أصله تضليلاً وتزويراً وزخرفة، فكل ذلك يسمى زوراً.
فوصف الله هؤلاء المؤمنين بأنهم لا يحضرون الزور، فلا يحضرون مجالس الفسق، ولا مجالس الغناء، ولا مجالس اللهو، ولا مجالس الباطل.
وأيضاً لا يشهدون شهادة الزور، بأن يري المرء عينه ما لم ترى، ويسمع أذنه ما لم تسمع، فيشهد لزيد أو لعمر مقابل دريهمات وهو لم يسمع ذلك قط، ولم يره قط.
وشهادة الزور من أعظم الكبائر، ولذا عد النبي عليه الصلاة والسلام الكبائر، فذكر الشرك بالله أولاً، ثم قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، ثم عقوق الوالدين، ثم ذكر شهادة الزور، وكان ﷺ متكئاً فجلس، فقال: (ألا وقول الزور، ألا وشهادة الزور)، وكرر ذلك حتى قال الصحابة: ليته سكت.