تفسير قوله تعالى: (والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين)
قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا﴾ [الفرقان: ٧٤].
فهم الذين يدعون الله بألا يقصر الخير والصلاح عليهم، فيكون مع صلاحهم صلاح بيوتهم وأسرهم، فتكون زوجة الواحد منهم أو زوجاته مثله في عبادته، وفي طاعته، وفي تذكيره، وفي امتثال أمر الله، ويكون أولاده وبناته كذلك جميعاً، يطيعون الله في أمره، ويحافظون على أوامر الله من صلاة وزكاة وصيام وحج، ويمتثلون أمر الله إذا سمعوا (قال الله) وإذا سمعوا (قال رسول الله)، ويكونون مثل هؤلاء عبادة وتواضعاً وأخلاقاً وعملاً للصالحات وابتعاداً عن الباطل.
فعباد الرحمن يقولون: ﴿رَبَّنَا هَبْ لَنَا﴾ [الفرقان: ٧٤] أي: أعطنا وتفضل علينا، ﴿هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا﴾ [الفرقان: ٧٤] جمع ذرية، وهي الأولاد، أي: فاجعل لنا من أولادنا ذكوراً وإناثاً، واجعل لنا من زوجاتنا قرة أعين، و (أعين) جمع عين، فتكون الزوجة قرة عين لزوجها ولأولادها، والأولاد قرة عين لأبيهم وأمهم، فذكرت الأعين هنا والإنسان ليس له إلا عينان.
وقرة العين: ما يسرك ويفرحك ويشرح صدرك، ويدعك بذلك مسروراً مبتهجاً.
وأصل القرة: البرود، والعرب تحب الشيء البارد، وتبتعد عن الشيء الحار.
وأيضاً يقولون عن العين: إنها إذا التهبت فاشتدت حرارتها فمعنى ذلك مرضها، ولذلك يقولون: الدمع الناتج عن السرور يكون بارداً، والدمع الناتج عن الحزن يكون حاراً.
فكون الزوجات والذرية قرة أعين معناه أنهم لا يجعلون في العين التهاباً ولا حرارة، وتلك كناية عما يسر وعما يطرب وعما يبهج وعما يشرح النفس، ولذلك كثيراً ما يقال للآباء في أولادهم: (جعله الله قرة عين لك)، وأصعب شيء على الإنسان أن يضطر إلى عشرة من لا يكون كذلك.
وتنصيص الله تعالى بآية خاصة في صفات عباد الرحمن على ذلك لعلو شأن هذا المعنى، وهو أن يكون الإنسان بين زوجته وأولاده على هذه الأخلاق والسمات الصالحة.


الصفحة التالية
Icon