تفسير قوله تعالى: (أولئك يجزون الغرفة بما صبروا)
قال تعالى: ﴿أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلامًا﴾ [الفرقان: ٧٥].
قوله تعالى: (أولئك) أي: عباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هوناً، وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً، والذين يبيتون لربهم سجداً وقياماً، والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا، ولا يشركون بالله، ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق، ولا يزنون، والذين لا يشهدون الزور، والذين لا يحضرون الباطل، والذين يضرعون إلى الله في كل أعمالهم، ويدعون الله أن يرزقهم زوجات صالحات وأولاداً صالحين يكونون لهم قرة أعين، هؤلاء الذين هم على هذه الصفة ﴿يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا﴾ [الفرقان: ٧٥]، فيكافئون بالغرفة، والغرفة أعلى منازل الجنة في الفردوس الأعلى.
وقوله تعالى: (بما صبروا) الباء باء السببية، أي: بسبب صبرهم على ترك الحرام وفعل الطاعات، وصبرهم على عبادة الله والدعوة إليه، وصبرهم على ترك مجالس اللغو ومجالس اللئام، وصبرهم على بذل نفوسهم رخيصة في سبيل الله، فقد بذلوا الأنفس، وبذلوا الأموال، وبذلوا الأولاد لإعلاء كلمة الله، وصبروا على طاعته تهجداً وصلاة في النهار، وإعطاء للنفقة والزكاة، وجعلوا أنفسهم تمتثل أمر الله في كل ما به أمر بقدر طاقتهم، وتركوا كل ما عنه نهى، فهؤلاء الذين صبروا على ذلك والتزموه وكانوا عباد الرحمن حقاً في جميع هذه الصفات، جزاؤهم الجنة بصبرهم على ذلك، وقيامهم به إلى لقاء الله.
قال تعالى: ﴿وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلامًا﴾ [الفرقان: ٧٥]، فيستقبلون بالتحية من الله جل جلاله، ويقال لهم السلام، والله هو السلام ومنه السلام، ويلقون السلام من ملائكة الجنة مرحبين ومسلمين على الكبار والصغار والنساء والرجال عندما يدخلون الجنة.
فقوله: (ويلقون) أي: يجدون ويستقبلون في الجنان بتحية وسلام.