تفسير قوله تعالى: (قال ستجدني إن شاء الله صابراً)
قال الله تعالى: ﴿قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا﴾ [الكهف: ٦٩] استثنى من البداية؛ لأن موسى علم من نفسه أنه لا يكاد يصبر على ما لا يراه علماً، وما لم يؤمن به حقيقةً، فابتدأ بالاستثناء قبل المستثنى منه، قال: (ستجدني إن شاء الله صابراً ولا أعصي لك أمراً) وتعهد له بشيء أيضاً سوف لا يستطيعه ولا ينفذه ولا يقوم بحقيقته، فوعده وعدين وعلق بالمشيئة بأنه يصبر وبأنه سوف لا يعصيه، فيوافقه في كل ما يأمره به، وإذا بـ الخضر يشترط عليه ويوافقه موسى وهو لا يزال متردداً.
فقال الخضر لموسى: ﴿فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي﴾ [الكهف: ٧٠] لم يقل له: (اتبعني)، والمعنى: إن أنت أبيت إلا هذا وإن أنت تحملت الصبر كما تقول، وإن أنت أطعتني كما استثنيت، فأنا أشترط عليك أن تكون تابعاً لي لتسمع من علمي ولتستفيد من حقائق ما عندي.
﴿فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا﴾ [الكهف: ٧٠] أي: لا تكن فضولياً، سأفعل أمامك ما أفعله، دعني أتكلم، دعني أعمل، ولا تسألني لم هذا؟ (حتى أحدث لك منه ذكراً)، وعندما أنتهي سأقص عليك بواطن وأسرار جميع ما قلت وجميع ما فعلت وصنعت، ولكن لا تستعجل من أول قضية تسألني وتعارضني وتستنكر عملي.
قال الخضر: (إن اتبعتني فلا تسألني عن شيء) أي: أيُّ شيء، وكلمة شيء نكرة تدل على أن الخضر اشترط على موسى اشتراط العالم على الطالب: (لا تسألني) أي: لا تعترض قولي إلى أن أنتهي وأحدث لك منه القول والبيان والشرح الذي يذكرك ويوضح لك عملي، ويكشف لك الحقائق والبواطن.
فوافق موسى على هذا الشرط، وقبل الوعد بعمل شرط الخضر، وأخذا يقطعان الفيافي والبراري والقفار والبحر.
ومن هنا انقطع ذكر يوشع وسيبقى الكلام عن موسى فقط والخضر، وليس معنى ذلك أن يوشع ذهب، ولكنه كتابع لا حاجة لذكره، وذكر عندما احتيج للحوت والحفاظ عليه، وللجواب على النصب والسفر والتعب، أما وقد وجد موسى بغيته وطلبته، فإن يوشع لا وظيفة له إلا أن يكون تحت الطلب عند الاحتياط.


الصفحة التالية
Icon