تفسير قوله تعالى: (وألق عصاك)
قال تعالى: ﴿وَأَلْقِ عَصَاكَ﴾ [النمل: ١٠].
وكانت عصاه بيده، وفي سورة أخرى ﴿وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى * قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى﴾ [طه: ١٧ - ١٨]، فما اتخذها إلا كما يتخذ الناس العصي لرعي الأغنام وليحمل بها على عاتقه أحماله وأثقاله، وليضرب بها ما يمكن أن يؤذيه، وليضع عليها ما يتقي به من الشمس وحرها ومن المطر والبرد وما إلى ذلك، فقال الله له: ﴿وَأَلْقِ عَصَاكَ﴾ [النمل: ١٠]، فألقاها وهو لا يعلم الحكمة من ذلك.
قال تعالى: ﴿فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ﴾ [النمل: ١٠]، ألقى العصا وإذا بها حية صغيرة كثيرة الحركة، وذلك ما يسمى بالجان في لغة العرب التي بها نزل القرآن، فانقلبت العصا حية شديدة الحركة شديدة القفز، وموسى حديث العهد بمثل ذلك، فإذا به يترك العصا ويفر ولم يعقب ولم يلتفت ولم يرجع إلى أن ناداه ربه: ﴿يَا مُوسَى لا تَخَفْ﴾ [النمل: ١٠] ليستأنس وليستطيع تلقي الكلام الأقدس والوحي العظيم والرسالة المكلف بها.
قال تعالى: ﴿يَا مُوسَى لا تَخَفْ إِنِّي لا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ﴾ [النمل: ١٠] فالمرسلون لا يخافون مني؛ لأنني ما أكرمتهم بالرسالة حتى أمنتهم بالرضا عنهم ورحمتهم، وهذا الخوف غير الخوف من النار ومن الغضب واللعنة، فالخوف الملازم للإيمان لا يفارق مسلماً، ولا يليق أن يفارق مؤمناً، وكان سيد الأنبياء محمد ﷺ يقول: (أنا أخشاكم لله)، فهو أشد الناس خشية وخوفاً من الله جل جلاله، فإذا كان هو أخوف الخلق فغيره من باب أولى أن يخاف ويهاب.