تفسير قوله تعالى: (فتبسم ضاحكاً من قولها)
﴿فَتَبَسَّمَ ضَاحِكاً مِنْ قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ﴾ [النمل: ١٩].
قال تعالى: ((فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا)) أي: سمع كلامها وصوتها فَتَبَسَّمَ ضَاحِكاً مِنْ قَوْلِهَا، وكان ضحك الأنبياء التبسم، وهكذا نبينا ﷺ فيما روته عنه السيدة عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها ورواه غيرها من الصحابة رضي الله عنهم، فقد كان عليه الصلاة والسلام جل ضحكه التبسّم، ولا تُرى لهوات لسانه، فإذا تبسّم لا يكون ذلك إلى أن تفتر شفتاه وتظهر صلى الله عليه وسلم.
وهكذا قص الله عن سليمان، وذلك يدل على أنه من أدب الأنبياء ومن أدب المرسلين أنهم إذا ضحكوا تبسّموا، ولا يصل ذلك إلى القهقهة وظهور النواجذ، وقد كان هذا في الحياة المحمدية النبوية يُعد على الأصابع، حيث تبسّم حتى ظهرت نواجذه صلى الله عليه وسلم.
قال تعالى: ﴿فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا﴾ [النمل: ١٩] عجباً من جانب وشكراً لله من جانب آخر على ما أولاه من نعمه وإفضاله وخصّه به من إكرامه.
وذهب يشكر الله، قال تعالى: ﴿وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ﴾ [النمل: ١٩].
قوله تعالى: (أوزعني) أي: ألهمني شكرك وألهمني حمدك، وألهمني الاعتراف بإفضالك والحمد على كل إحسانك.
﴿أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ﴾ [النمل: ١٩] أي: أكرمتني بها من الإيمان بك ومن النبوة التي أكرمتني بها والرسالة، وأنعمت بمثل ذلك على والديَّ من قبل بأن جعلتهما مسلمين مؤمنين، وجعلت أبي داود نبياً ورسولاً، وأكرمته بما أكرمته به من النبوة والملك كذلك، وأشكرك على ما ألهمتني إياه من فهم لغات الطير ولغات الهوام ولغات الحيوان، وما سخّرت لي من الجن والإنس ما لم تسخّر مثله لأحد قبلي، فهو يشكر نعمة الله عليه وعلى أبيه وأمه.
قال تعالى: ((وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ)) أي: ووفقني للعمل الصالح الذي يُرضيك من طاعتك والدعوة إليك والقتال في سبيلك، وإجبار أعدائك الكافرين على توحيدك والإيمان بك، وإذلال الكافرين وسحق المنافقين.
ولا بد من الرضا عن العمل، وإلا فقد يفعل الإنسان ما يظنه صالحاً في وهمه وهو باطل وضلال، فلا بد من أن يكون هذا الصلاح مما يُرضي الله جل جلاله لا ما يُرضي من يُسمون بالفلاسفة وبالمفكّرين وهم لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر.
ثم قال تعالى عن سليمان: ﴿وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ﴾ [النمل: ١٩] اجعلني من جملة الصالحين من عبادك برحمة منك لا بشيء أستحقه ولا بعمل عملته، فأنا وعملي منك وإليك يا ربي وخالقي، خلقتني وألهمتني العمل الصالح، وجعلتني من عبادك الصالحين وابن نبيك داود، وأكرمتني كذلك بالرسالة والملك، فاجعلني من جملة عبادك الصالحين، وأدخلني في جملتهم واذكرني بينهم، واجعلني ممن صلح في دينه وصلح في عمله وصلُح في طاعته وقد استجاب الله له كل ذلك، كيف وهو نبيه المعظّم ورسوله المكرم؟! فعندما اختاره للنبوة والرسالة استجاب دعوته وزاده من أنواع النعم والإفضال ما لم يصنع مثله إلا مع مثله من الأنبياء والمرسلين.