تفسير قوله تعالى: (اذهب بكتابي هذا فألقه إليهم)
قال تعالى: ﴿اذْهَب بِكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهِ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ﴾ [النمل: ٢٨].
نادى سليمان أحد كتبته وأملى عليه سطرين أو ثلاثة، ثم أعطى الكتاب للهدهد وقال له: ﴿اذْهَب بِكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهِ إِلَيْهِمْ﴾ [النمل: ٢٨]، أي: ارمه إلى هؤلاء القوم الذين ذكرت، فأعطه لملكتهم التي تحكمهم وتملكهم.
﴿ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ﴾ [النمل: ٢٨] أي: ابتعد قليلاً ﴿فَانظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ﴾ [النمل: ٢٨] أي: اسمع قولهم في هذا الكتاب، فما هو جوابهم وبم يعلقون عليه، وكيف سيستقبلونه، فهل سيستقبلونه مطيعين مستسلمين، أم عصاة مخالفين، كل ذلك أجبني عنه، وإنه لغريب في الدنيا أن يكون الهدهد سفير ملك إلى ملك، وسفير دولة إلى دولة، ولكن هذا من معجزات الأنبياء ومن خصائص سليمان، ومما خصه الله به من تسخير الدواب والجن والإنس والرياح، فهذا من عجائب قدرة الله، ولا عجب في قدرة الله التي أعطاها لسليمان.
وقد كان سليمان أعظم سلطاناً، وأدوم ملكاً وأوسعه، وكان داود أكثر عبادة، وكان كل منهما رسولاً كريماً على الله جل جلاله.
فذهب الهدهد بالكتاب يصل الوقت بالوقت إلى أن أصبح على رمية حجر من الغرفة الخاصة بـ بلقيس، وكانت مستلقية على قفاها منفردة بنفسها في خلوتها، فرمى بالرسالة كما أمره سليمان، على صدرها، ثم رجع إلى النافذة ينتظر ما ستفعله ليبلغ مولاه الملك النبي سليمان عليه السلام.
قال تعالى: ﴿اذْهَب بِكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهِ إِلَيْهِمْ﴾ [النمل: ٢٨] إلقاء، ولم يسلمه؛ إذ قد يقبض على الهدهد، ويعتبر طائراً غريباً، ويسجن في قفص، فلو سجن لمات، ولما احتمل القيد بعد الحرية.
قال تعالى: ﴿اذْهَب بِكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهِ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ﴾ [النمل: ٢٨].