تفسير قوله تعالى: (قالوا نحن أولو قوة وأولو بأس شديد والأمر إليك)
وإذا بهم يجيبونها جواب التابع للمتبوع، وجواب الرعية للراعي ﴿قَالُوا نَحْنُ أُوْلُوا قُوَّةٍ وَأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالأَمْرُ إِلَيْكِ فَانظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ﴾ [النمل: ٣٣].
فتكلموا بكلام المتأدب مع رئيسه وسلطانه، ومن إليه الأمر والنهي، ﴿قَالُوا نَحْنُ أُوْلُوا قُوَّةٍ﴾ [النمل: ٣٣] فابتدءوا كلامهم بأنهم مستعدون لو طلبت منهم المقاومة، وطلب منهم الحرب والقتال، فقالوا: ﴿نَحْنُ أُوْلُوا قُوَّةٍ﴾ [النمل: ٣٣] فأعدادنا متوافرة، نعد بعشرات الآلاف، بل ذكروا أنهم كانوا مئات الآلاف، ﴿وَأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ﴾ [النمل: ٣٣]، ولنا قوة من مجانيق وسيوف ونبال وحراب وخيل وأنواع آلات القتال الموجودة آنذاك بما نستطيع به الحرب والقتال والمقاومة لكل من حاول أن يدخل أرضنا، ويحارب قومنا، ويذل ملكتنا، ويستذل سكاننا، فنحن أولو قوة شديدة وسلطان قوي.
(والأمر إليك) فنحن قد أخبرناك أننا على استعداد، وأنت الآمرة، وأنت الناهية، وأنت الملكة.
﴿فَانظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ﴾ [النمل: ٣٣]، فمرينا بما رأيت، فإن أمرت بالحرب فنحن أولو قوة وأولو بأس شديد، وإن أمرت بالسلام فالأمر إليك ولن نخالفك في أمر.
وقد كانت تميل إلى المسالمة وترك الحرب والقتال، ولعلها حدثت نفسها -وهي امرأة على كل حال، ولم تكن متزوجة- بأن تضم مملكتها إلى مملكة سليمان، فتصبح الملكة الأولى في مملكة سليمان، وما يمنعها أن تتزوج، فعندما فكرت في ذلك مالت إلى المسالمة وعدم الحرب والقتال، وستجعل من نفسها الهدية الأولى لسليمان، وهذا ما لم تذكره هي، وهو ما سيحدث.
فبعد قولهم بأنهم أولو قوة وأولو بأس شديد، وأن الأمر لها فلتنظر ماذا تريد وبماذا تأمر، عادت فقالت قولاً يدل أنها لا تريد حرباً، قالت: ﴿إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا﴾ [النمل: ٣٤] أي: إذا دخلوا فاتحين ودخلوا متملكين ودخلوا قاهرين.