تفسير قوله تعالى: (قال يا أيها الملأ أيكم يأتيني بعرشها)
ثم بدا لسليمان وفكر تفكيراً آخر يليق بالأنبياء لا بالملوك، ولكنه يقهر الملوك أكثر، ويذل الملوك أكثر، ويعلم الملوك أن ملوك الأنبياء والرسل لهم من القوة والسلطان ما ليس لملوك الأرض، مهما كانوا أكاسرة أو أباطرة، أو ملوكاً عظماء في الأرض، وإذا بسليمان يلتفت إلى كبار قادته: ((قَالَ يَا أَيُّهَا المَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ} [النمل: ٣٨].
فأراد سليمان هذه المرة أن يأتي بذلك العرش العظيم، الذي طالما تاهت به، وتفاخرت به، وتعاظمت به، وجاء الهدهد يحكي من قصصه وغرائبه وذهبه وزبرجده وأنواع حجارته الكريمة ما لا يكاد يكون مثله عند أحد.
فقال: ((يَا أَيُّهَا المَلَأُ)) أيها الأشراف، أيها الأمراء والكبراء من دولتي ومن رعيتي ومن أتباعي: ((أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ)) وقد توقع بما هددها به أنها لن تقاومه، ولا طاقة لها بمقاومته ومحاربته، وأنها آتية إليه لا محالة، قال المفسرون: وقد علم سليمان ذلك.
فعندما جاء الرسل فقالوا عن سليمان ما قالوا قررت المجيء إليه هي وكبار قومها، وأعظم ما كانت تخاف عليه هو عرشها، ففككته وجعلته في عدة غرف من القصر، وتركت عليه حرساً شديداً، وجعلت نائباً لها في إدارة المملكة، كشأن الملوك عندما يخرجون عن حدود دولتهم وأرضهم، فبلغ الخبر سليمان، فأراد أن يفاجئها بأن تجد عرشها قد سبقها إليه، فقال: ﴿يَا أَيُّهَا المَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ﴾ [النمل: ٣٨]، قبل أن يأتوني مستسلمين، خاضعين، أذلاء صاغرين.