معنى قوله تعالى: (فلما رآه مستقراً عنده قال هذا من فضل ربي)
فذهب هذا الذي عنده علم من الكتاب ففتح تلك الغرف بمغالقها، وأعاد تركيب العرش قطعة قطعة، وأعاد إليه جواهره ولآلئه، إلى أن أتى به على شكله كما تجلس عليه بلقيس ووضعه بين يديه، وإذا بسليمان يريد أن يفاجئ بلقيس بما لا يخطر لها على بال، ويفاجئ قومها، فأمر الجن بأن يبنوا له قصراً من الزجاج تتخلله المياه، وأن تخلط المياه بأنواع الحيتان والأحياء البحرية، فأتموا ذلك خلال أيام، فقال: ﴿قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي﴾ [النمل: ٤٠] فقام شاكراً لله على أنعمه، حامداً لله على ما أكرمه به، ثم قال: ﴿لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ﴾ [النمل: ٤٠]، فنبي الله لا يطغيه جاه ولا مال، فقوله: (ليبلوني) أي: ليختبرني، وليفتنني، هل سأشكر النعم أم سأكفرها وأجحدها؟! وهذه القصة تلقى على أتباع النبي في أيامه عليه الصلاة والسلام، وعلى من بقي على كفره، فالله يصنع ما يشاء.
وقد كان نبينا ﷺ أقدر من سليمان وأقوى من سليمان، وكانت مملكته ودولته تعم العالم كله.
أما سليمان فلم يكن إلا نبياً من أنبياء بني إسرائيل، ونبينا أرسل إلى الأبيض والأسود، وإلى العربي والعجمي، وبقيت رسالته إلى يوم القيامة، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (لو كان موسى حياً لما وسعه إلا أن يتبعني)، ولم يكن هذا لسليمان.
وانتهت نبوءة سليمان بموته، كما انتهت نبوءات من مضى بموتهم، وأصبحوا أعلاماً في التاريخ، ولو لم يذكرهم الله في كتابه لما علمنا عنهم ولما قبلنا الكلام عنهم من بني إسرائيل، ولعددناهم كبقية قصص بني إسرائيل، ولكن الله كرمهم وذكرهم في كتابه الخاتم القرآن الكريم، فآمنا بهم، ولكن رسالاتهم ونبوءاتهم انتهت ونسخت، فلم تبق إلا الرسالة المحمدية، فختمت الرسالات السابقة والنبوءات السابقة ولم تأت بعدها نبوءة ولا رسالة قط، ومن زعم الإيمان بنبي جديد كان كاذباً كافراً، كما زعم ذلك كذبة قديماً وحديثاً، وآخر هؤلاء الكذبة الخبيث القادياني العميل الإنجليزي، المجرم الخائن المرتد هو وجميع أتباعه.
يقول تعالى عن سليمان: ﴿لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ﴾ [النمل: ٤٠]، فالله غني عن الخلق وعن إيمانهم، كما في الحديث القدسي: (يا عبادي! لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد ما زاد ذلك في ملكي شيئاً، يا عبادي! لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد ما نقص ذلك من ملكي شيئاً).
فسليمان يقول كما حكى جل وعلا ذلك عنه: ﴿وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ﴾ [النمل: ٤٠]، أي: هو الذي أكرم نفسه، وهو الذي جدد شكره وحمده، وهو الذي عبد الله بشكره وحمده والثناء عليه، فالله تعالى هو كما أثنى على نفسه، لا نحصي ثناءً عليه جل جلاله.
قال تعالى عن سليمان: ﴿وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ﴾ [النمل: ٤٠]، فمن كفر وجحد النعمة فالله غني عن شكره، وغني عن حمده، وغني عن ثنائه، فمن شكر فقد شكر لنفسه، وقدم الخير والثناء لنفسه، ومن كفر فإنما يكفر لنفسه، فهذا له الجنة، وذاك له النار واللعنة والخلود في جهنم.