تفسير قوله تعالى: (ولوطاً إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة وأنتم تبصرون)
قال تعالى: ﴿وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ * أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ﴾ [النمل: ٥٤ - ٥٥].
أي: واذكر -يا رسولنا- لوطاً إذ قال لقومه.
وقد أرسل لوط إلى أهل سدوم من أرض فلسطين عند البحر الميت الآن.
فالله تعالى يقول: واذكر -يا رسولنا- قصة لوط مع قومه الذين أتوا من المنكرات ما لم يسبقهم إليه أحد قبلهم قط، فكانوا الأئمة للفساق، فمن فعل ذلك بعدهم فعليهم مثل وزره إلى يوم القيامة.
قال تعالى: ﴿وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ﴾ [النمل: ٥٤] هذا استفهام تقريعي توبيخي، حيث يقول لوط: (أتأتون) يوبخههم ويقرعهم بهذا الاستفهام الإنكاري.
(أتأتون الفاحشة)، وقد قال في بعض السور عنها ﴿مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ﴾ [الأعراف: ٨٠]، وهنا قال: ﴿أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ﴾ [النمل: ٥٤] فمعناه أنهم كانوا يفعلون فعل الكلاب والخنازير على مرأى من بعضهم لبعض، وكما وصفهم الله بأنهم يأتون المنكر في ناديهم، فهذا المنكر الذي يأتونه في مجالسهم هو أنهم كانوا يفعلون فعل الخنازير والكلاب والدواب بصفة عامة.
وكل ما حدث في الأمم الماضية سيحدث في الأمة المحمدية، وقد حدث هذا الأمر اليوم في الكثير من أرض الله، فيفعل علناً، وأصبح بعض الناس يتجر بهذه الفاحشة، فيضعون لها الأفلام التي تدخل البيوت وتدخل الدور وتدخل الأسواق بما لم يسبق له مثيل حتى في عصر لوط، فلم يوصلهم الشيطان إلى ما أوصل إليه الناس اليوم، فقد كانوا يفعلون ذلك فيما بينهم، أما أن يصور ذلك ويسجل بالفعل والنظر لتراه المرأة ويراه الرجل، ويراه العزب والأرملة والأيم، فذلك لم يسبق له حدوث في الماضي، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم! قال تعالى: ﴿وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ﴾ [النمل: ٥٤] أي: يا هؤلاء! أين عقولكم؟! يرى بعضكم بعضاً كالكلاب والخنازير تعملون ذلك وترونه رأي العين! أتتركون نساءكم وتذهبون إلى الرجال فيستغني الرجال بالرجال والنساء بالنساء؟!


الصفحة التالية
Icon