تفسير قوله تعالى: (قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله)
قال تعالى: ﴿قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ﴾ [النمل: ٦٥].
أي: قل -يا رسولنا-: لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله.
والسماء: ما علاك، وهي تلك السماوات التي هي طبق عن طبق، وبين الأولى منها وبين الأرض خمسمائة عام، كما قال صلى الله عليه وسلم.
فهذه السماوات فيها الملائكة وكبيرهم جبريل عليه وعليهم السلام، فكل من في السماوات وكل من في الأرض جميعاً لا يعلمون الغيب، فلا يعلم الغيب إلا الله، ولا يعلم الغيب ملك مقرب، ولا نبي مرسل، وما ورد عن الأنبياء من الغيوب فليس ذلك إليهم ولا من تلقاء أنفسهم، ولكن الله علمهم، كما قال ربنا: ﴿عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ﴾ [الجن: ٢٦ - ٢٧]، كما أعلم نبينا ﷺ بما كان ويكون إلى قيام الساعة، وما يؤمن به المرء غيباً آمن به نبينا شهوداً، كما في ليلة الإسراء عندما أسري به إلى بيت المقدس، طرد الله عنه القردة والخنازير وعبد الطاغوت، وقد صلى بجميع الأنبياء والمرسلين إماماً، وكان ذلك إشارة لإمامته ورئاسته وسيادته عليهم صلى الله عليه وسلم.
ومع ذلك ما كان ﷺ يعلم الغيب بغير تعليم الله له، فقد عاش بين قومه أربعين عاماً، وكان كما قال الله له: ﴿وَمَا كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ﴾ [العنكبوت: ٤٨] أي: ما كنت تقرأ كتاباً ولا تخطه بيمينك، ولا تدري ما الإيمان ولا الكتاب، ولكن الله علمك وهداك بعد ذلك، ونبهك وأرسلك بعد ذلك، ﴿وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا﴾ [النساء: ١١٣].
وكان ذلك أعظم معجزة له صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فقد عاشره قومه أربعين سنة، وهو لا يعلم شيئاً، وإذا به يصبح يوماً وقد عَلم علم الأولين والآخرين كما علمه الله جل جلاله، وكان ذلك من علم الله.