تفسير قوله تعالى: (وما أنت بهاد العمي عن ضلالتهم)
قال تعالى: ﴿وَمَا أَنْتَ بِهَادِ الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [النمل: ٨١].
أي: لست -يا رسولنا- بهاد للعمي، فالأعمى لا يستطيع أن يهتدي في طريقه ولا يرى محجته، ولا يعلم ما بين قدميه؛ لأنه يفقد النور ويفقد البصر، فلست بهاد للعمي إذ أبوا إلا العمى، فهم -إذاً- عمي صم موتى، فيصف الله الكافرين بأنهم عمي بقوا في الظلام، فلم يستنيروا بهذا النور المشرق، نور القرآن ونور الإسلام وهدايته.
يقول تعالى: ﴿وَمَا أَنْتَ بِهَادِ الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ﴾ [النمل: ٨١] فلست بهاديهم، وليس ذلك من وظيفتك، وإنما الهداية على الله، كيف وهم عمي، والأعمى لا يقبل الهداية إذ لا بصر له، فلابد من أن يؤخذ بيده ليعلم موطئ قدمه، ولكن هؤلاء يأبون أن يضعوا أيديهم في يد الهادي المبلغ الموحى إليه صلى الله عليه وسلم، فلم يقبلوا هداية من الضلال القائمين فيه والشرك والكفر والوثنية.
قال تعالى: ﴿إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [النمل: ٨١].
أي: فلست -يا رسولنا- بهادي العمي عن ضلالتهم، وإنما أنت تهدي من آمن بآياتنا وبقدرتنا وبكتابنا، فالمؤمنون بالله قلباً والناطقون بالإسلام لساناً هم الذين يستفيدون من رسالتك، ومن القرآن المنزل عليك، فهم الذين كانوا أحياءً وليسوا بموتى، وكانوا سامعين وليسوا بصم، وكانوا مبصرين وليسوا بعمي.
فالمؤمنون الذين آمنوا بكتاب الله وآمنوا برسول الله ﷺ وآمنوا بالنور الذي أتى به هم الذين استفادوا وأنار الله بصائرهم، فاهتدوا وتركوا الضلال، ورأوا الهدى وعلموا موطئ أقدامهم فلم يحيدوا عن الحق، ولم يقعوا في حفر الطريق، ولم تلههم بنياتها يمنة ويسرة، فهؤلاء هم المؤمنون بآياتنا، المسلمون الذين آمن جنانهم، ونطق لسانهم، قالوا باللسان ما اعتقده الجنان، فكانوا مؤمنين حقاً، مؤمنين بالقلب، ناطقين باللسان، فهؤلاء هم أتباعك وشيعتك وأنصارك، أما أولئك فدعهم، فهم موتى عمي صم.