تفسير قوله تعالى: (وأمرت أن أكون من المسلمين وأن أتلو القرآن)
قال تعالى: ﴿وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ * وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ﴾ [النمل: ٩١ - ٩٢].
والقرآن الكريم هو الكائن بين دفتي المصحف من ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الفاتحة: ٢] إلى ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ﴾ [الناس: ١] كل ذلك كلام الله ووحي الله باللفظ والمعنى، وبتنظيم السور وتنظيم الآي، أمر النبي عليه الصلاة والسلام بأن يتلوه، وأن يتهجد به، وأن يصلي به الصلوات الفرائض والنوافل، وأن يتلوه على الناس ببيان حرامه وحلاله وعقائده وقصصه وآدابه، فذاك أمر الله له، فلا يخرج عن أمره، وقد عصمه الله كما عصم الأنبياء من المخالفة ومن المعصية، فإذا كان رسول الله ﷺ -وهو المسلم الأول- قد أُمر بالإسلام فامتثل وأطاع، كما أُمر بتلاوة القرآن وهو المعصوم والمغفور له ذنوبه ما تقدم منها وما تأخر، فما يقول المسلمون أمثالنا؟! إذاً: ذاك أمر لنا كذلك بتلاوة القرآن وبالتهجد به والصلاة والعبادة.
قال تعالى: ﴿فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ﴾ [النمل: ٩٢].
يقول الله لنبيه: افعل ما أُمرت به ﴿وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ﴾ [النور: ٥٤] فمن اهتدى بعد أن بلغته ودعوته وتلوت عليه كتاب الله وقرعت به أذنيه فلنفسه اهتدى، فصلاح ذلك وثواب ذلك وجزاء ذلك سيعود عليه، فالهداية عائدة إليه لا إليك، وثوابه لنفسه ودخوله الجنة لنفسه ورضا الله لنفسه.
وإن خالف فقد قال تعالى: ﴿وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنذِرِينَ﴾ [النمل: ٩٢] فإن ضل فلم يقبل الدعوة والبلاغ، ولم يقبل كتاب الله، ولم يقبل رسالتك، ولم يهتد بهديك، ولم يمتثل لأمرك، فهذا ضال، وقل عن نفسك: ((إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنذِرِينَ)).
وكل نبي من الأنبياء جاء للنذارة وتخويف الناس من معصية الله ولتبشيرهم بطاعة الله، فمن استسلم لربه وأطاع رسله فقد اهتدى ودخل في زمرة الهادين المهتدين، فلنفسه اهتدى، ولها قدّم الحسنات وقدّم الأجر والثواب.
وإن هو ضل بمعصيته وبكفران ربه وبجحود الكتاب المنزل عليه ((فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنذِرِينَ)) أي: إنما أُمرت أن أُنذرك وأخوفك وأن أهددك وأبلغك أمر الله؛ لأن من لم يطعه وخرج عن الكتاب وعن سنة محمد ﷺ فالنار مأواه وهي جزاؤه، وأنا لست إلا منذراً مبشّراً للمؤمنين ومنذراً للكفار العصاة المخالفين، وبعد ذلك لا يلومن إلا نفسه، وإنما هي أعماله تقدّم إليه، فمن وجد خيراً فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه، كما في الحديث القدسي.