تفسير قوله تعالى: (من جاء بالحسنة فله خير منها)
قال تعالى: ﴿مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ﴾ [النمل: ٨٩].
من جاء يوم القيامة وعُرض على ربه فجاء بالحسنة -والحسنة هنا لا إله إلا الله-، أي: من جاء مؤمناً موحداً من الأمة المحمدية أو الأمم السابقة، ومعه (لا إله إلا الله) فله خير منها، وليس هناك خير من (لا إله إلا الله) إلا رضا الله، وأما غير ذلك فلا يعلو على (لا إله إلا الله)، يدل على ذلك حديث ذاك الرجل الذي يجيء يوم القيامة وكله آثام وذنوب ومخالفات، فأمر بطرحه في النار، فقال الله جل جلاله: ردّوه، لا ظلم اليوم، وإذا ببطاقة صغيرة فيها (لا إله إلا الله) توضع في كفة الميزان، فيقول هذا الذي أُمر به للنار: فما عسى أن تصنع هذه البطاقة؟! لكثرة ذنوبه وكثرة كبائره وكثرة معاصيه، وإذا بكفة الحسنات تثقل، لأن (لا إله إلا الله) لا يقف لها شيء.
فمن مات وهو يقول: (لا إله إلا الله) دخل الجنة، وهل سيدخلها بعد العذاب في النار، أو يغفر الله له؟ ذاك غيب لا يعلمه إلا الله، ولكن الذي ندين الله به هو قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ﴾ [النساء: ٤٨].
ومن العقائد الثابتة أن النار سيدخلها الكافرون وسيدخلها مؤمنون عصاة، الله أعلم بهم، وأعلم بإقامتهم فيها، ولكن لن يخلد في النار ولن يدوم في النار من مات وهو يقول: (لا إله إلا الله).
يقول تعالى: ((مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا)) وفُسِّرت الحسنة بالحسنة مطلقاً من صلاة وصيام وصدقة وسائر أنواع الطاعات.
((فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا)) وفي آية أخرى: ﴿فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا﴾ [الأنعام: ١٦٠] فذاك خير من واحدة، ذاك تضعيف الله وتكريم الله للمؤمن المُحسن.
ولكن السياق في المؤمن والكافر، فمن فسّر الحسنة هنا بالتوحيد وبـ (لا إله إلا الله) فالسياق يؤكد قوله.
قوله تعالى: ﴿وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ﴾ [النمل: ٨٩].
ولا يكون هذا إلا للموحد المغفور له، فالذي أتى بهذه الحسنة لا يُفزع ولا يخاف ولا يُرعب، ولا يحصل له ما يحصل للمقصرين والمذنبين والعصاة، وما ذلك إلا لأنه أتى موحّداً مطيعاً، أتى ومعه (لا إله إلا الله) اعتقدها جنانه ونطق بها لسانه، فكان جزاؤه من ربه المغفرة والرضا، وكان جزاؤه أن أمّنه من الفزع والرعب والخوف من أن يدخل النار ومن أن يُغضب عليه.
وقرئ في السبع: ((وَهُمْ مِنْ فَزَعِ يَوْمِئِذٍ آمِنُونَ)) بالإضافية، فيكون المراد فزع العرض على الله والحساب.
وقراءة ((فَزَعٍ)) بالتنوين على التنكير تدل على العموم، وهي أبلغ، فيكون آمناً من الفزع بكل أشكاله، فيأمن من فزع الحساب، وفزع العقاب، وفزع دخول النار، وفزع ما يحصل للناس عموماً يوم العرض على الله ﴿يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى﴾ [الحج: ٢]، فالذي يحدث للناس لا يحدث لهذا البتة، جزاء طاعته وعمله في الدنيا، فعند العرض على الله وجد جزاء عمله وطاعته وإيمانه، جعلنا الله منهم.