تفسير قوله تعالى: (ونمكن لهم في الأرض)
قال الله تعالى: ﴿وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ﴾ [القصص: ٦] أي: نجعلهم الممكنين المحكمين المستقلين بأرض مصر وما حولها من حكم وسيادة وسلطان وأرزاق وأنعام.
ونُري فرعون المتأله الظالم المدّعي للألوهية، ونُري وزيره هامان الذي آزره وساعده على دعوى الإلوهية وعلى ظلم الخلق وذبح المستضعفين واستحياء النساء، وعلى أكل أموال الناس بالباطل، وعلى الشرك بالله ولو بنفسه، ونري جنودهما وحكومتهما وأشياعهما وأنصارهما وجيشهما.
فكل من وافق فرعون على كفره وعلى تألهه سيعاقبه الله وينتقم منه انتقامه من فرعون؛ لأن من أعان ظالماً سُلّط عليه، وقد حرم الله تعالى أن يعان الظالم على ظلمه، وأن يعان الكافر على كفره، فمن فعل ذلك فهم في الظلم والكفر سواء، وقد قال تعالى: ﴿وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾ [المائدة: ٢] وقال نبينا عليه الصلاة والسلام: (من أعان ظالماً سُلِّط عليه).
فمساعدة الظالمين ظلم، ومساعدة الكافرين كفر، وموافقتهم على ظلمهم وكفرهم تجعلك مثلهم؛ ولذلك فإن الله تعالى قال للمؤمنين من أتباع محمد صلى الله عليه وسلم: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ﴾ [المائدة: ٥١].
فمن يوالي اليهود والنصارى، ومن يؤيدهم على كفرهم، ومن يجري خلفهم ويذل نفسه لهم ويحرص على استعبادهم؛ يكون يهودياً ونصرانياً مثلهم، ذاك صريح قول الله تعالى الذي لا مين فيه ولا شك ولا ريب؛ ولذلك فإن الله تعالى عاقب فرعون بمثل ما عاقب أشياعه وأنصاره من وزراء وكتّاب وأعوان وجنود، وكل من سانده على عمله من أمته ورعيته فأغرقهم الله في البحر جميعاً، وأورث الله الأرض والأنعام والخيرات لعبيدهم من بني إسرائيل فصاروا سادتهم وحكّامهم.
فأرى الله فرعون وقومه ما كانوا يخافون منه، وهو ما قاله الكهنة في رؤيا فرعون أو ما ذكر من العلم القديم عن إبراهيم الخليل، بأن هلاك فرعون وأقباط مصر سيكون على يد رجل من بني إسرائيل، فما حذروا منه وخافوا منه لن يفيدهم، وما أفاد حذر من قدر، وما قدّره الله كائن مهما حذروا وخافوا وأعدوا ومهما هيئوا فلن يكون ذلك في نتيجته إلا وبالاً عليهم.
وهذا الذي حدث، فكان موسى عليه الصلاة والسلام السبب في القضاء على فرعون بالغرق وإذلال الأقباط، فقد نشأ في دار فرعون، وأكل طعامه ولبس لباسه ونشأ على فراشه وقيل عنه زمناً من الأزمان موسى بن فرعون، وهكذا ما قدّره الله كان، ولا يفيد حذر من قدر، وما أراده الله كائن، لا راد لقضائه ولا مدافع لسلطانه جل وعزّ وعلا.


الصفحة التالية
Icon