تفسير قوله تعالى: (فالتقطه آل فرعون)
قال تعالى: ﴿فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ﴾ [القصص: ٨].
معنى ذلك أنها ألقته، وأن الأمواج أخذته إلى جوار قصر فرعون وكان على شواطئ النيل، فخرجت جواريه وخدمه على الشواطئ للعب أو الصيد أو للنزهة وإذا بهم يرون صندوقاً ترفعه موجة وتضعه موجة، فترقبوه إلى أن وصل إليهم فأخذوه ولم يفتحوه، فذهبوا به إلى الملكة آسية بنت مزاحم زوجة فرعون فقالوا: وجدنا هذا التابوت في البحر.
وإذا به يفتح على وليد جميل أخّاذ جذّاب ما كادت تقع عين زوجة فرعون عليه حتى شغفها حباً وحتى أصبح كأنه خرج من رحمها.
وجاء فرعون فبادرته قبل أن يبادرها فقالت له: يا فرعون هذا الوليد وجدناه في البحر ولا شك أنه جاء من بعيد.
قال لها: لا بد أن يكون عبرانياً إسرائيلياً ولا بد من ذبحه، فأخذت ترجوه تستعطفه وتجادله حتى تركه.
فقوله تعالى: ((فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ)) أي: التقطوا هذا الوليد موسى، واللقيط أو اللقطة معناهما: وجود شيء في الأرض وأخذه بلا إرادة ولا طلب معد من قبل، وإنما الله هو الذي أتى به لما يراد بهذا الوليد مما سيقصه الله علينا بالتفصيل في هذه السورة الكريمة.
وبعد إلحاح ورجاء وافق فرعون، فسُرّت زوجته وفرحت وأعدت نفسها وكأنها ملكت الدنيا وما فيها ليتم ما يُريده الله من موسى.
وآلك: أولادك وعيالك وخدمك وشيعتك، وقد قيل: كان لـ فرعون بنت ولم يكن له ولد، ولم تكن البنت من آسية بنت مزاحم وقد يكون هذا صحيحاً وقد لا يكون صحيحاً، فالآل كما يطلق على الأولاد يُطلق على الخدم والحشم والأنصار والشيعة.
وقوله تعالى: ((ليَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا)) أصل اللام أن تكون للتعليل، فهل التقطوا هذا الوليد وهم يريدون أن يكون لهم يوماً عدواً، أو يكون لهم أداة حزن وألم وذل وهوان؟
ﷺ لا، ولكن هذه اللام قالوا عنها في لغة العرب: هي لام العاقبة والصيرورة، أي: هذا الوليد الذي أخذوه ستكون عاقبته في بيتهم عداوة وحزناً وأوجاعاً وآلاماً، فيربون على فراشهم عدواً لهم، وسيكون السبب في القضاء على ملكهم وسلطانهم، والسبب في تحرير العبيد من بني إسرائيل.
وقال ابن كثير: وإن كانت هذه اللام ظاهرها أنها لام العاقبة أو لام الصيرورة ولكنها في الحقيقة هي لام التعليل من قبل الله، أي: أن الله تعالى هو الذي ألهم آل فرعون ليلتقطوه ليكون لهم عدواً وعقوبة وجزاء على ظلمهم وطغيانهم وعلوهم في الأرض بالفساد والاستكبار واستضعاف الضعاف والمساكين، والسبب في ذلك ((إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ)).
وجعل الله هذا الوليد في دار عدوه ليكون سبباً في القضاء عليه؛ لأن فرعون علا في الأرض فطغى وتجبّر وكفر بالله وجعل نفسه إلهاً على الأرض، وصانعه في ذلك وتابعه هامان وزيره وأيده وسانده بالأرواح والأعمار والأجساد والأموال، وكذلك جنده وأنصاره وقومه، وأن هذه الطائفة كلها من ملك ووزراء وحكومة وجيش كانوا خاطئين، وآثمين، ومجرمين، وظالمين، فحق هؤلاء لظلمهم وعتوهم وجرمهم أن يُعاقبوا بما عاقبهم الله به وأعده لهم وهيأه لهم مع الزمن البعيد بعد سنوات.


الصفحة التالية
Icon