تفسير قوله تعالى: (وأصبح فؤاد أم موسى فارغاً)
قال تعالى: ﴿وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [القصص: ١٠].
قذفت أم موسى وليدها في البحر، وعندما قذفته أصبح فؤادها ضائعاً هواء، لأنها مولهة به فهي كالمجنونة الضائعة، وتصور أماً اضطرّت إلى قذف ولدها في البحر أو في النار أو ليُذبح! كيف سيكون حالها؟ وكانت قد غلبت ذاتيتها وبشريتها على ما أوحي لها به، فقد قال الله عن الأنبياء جميعاً: ﴿حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا﴾ [يوسف: ١١٠] كان يشتد البلاء بالأنبياء، وبرسل الله حتى تضيق عليهم الأرض بما رحبت وتخطر ببالهم الخواطر التي لا تليق ولكن لا يملكون صرفها إلى أن يظنوا ويتوهموا أنهم قد كذبوا، عند ذلك يأتي النصر والفرج مع الصبر، وكذلك يأتي نصر الله ووعده الحق بالأنبياء وأتباع الأنبياء من الصادقين المؤمنين.
فقوله تعالى: (وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا) أي: فارغاً من كل شيء في الكون إلا من موسى.
(إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ) أي: كادت لتخرج من الدار وتمشي في الشوارع وتقول: واموساه! أين ولدي؟ فهذا الذي أخذته امرأة فرعون هو ولدي؟ أتحرمونني منه وأنا في الحياة وتجعلونه بلا أم؟ ألا يكفي في ذلك أن يكون يتيم الأب فيكون مرة ثانية يتيم الأم في ما ذكروا؟ وإلا فالسياق يدل على أن أباه كان لا يزال حياً ولكن لم يُذكر.
وكاد في لغة العرب من أفعال المقاربة، فقوله تعالى: ﴿إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ﴾ [القصص: ١٠] أي: قاربت أن تُظهره، ولو فعلت لكان ذلك سبب ذبحه والقضاء عليه، ولكن الله ثبتها بالصبر كما ثبّتها بالوحي.
وقوله تعالى: (لَوْلا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا) أي: لولا أن الله صبّرها وشد على قلبها الذي ضاع وتاه، وأصبح فارغاً هواء، فثبّتها وصبّرها لكي لا تخرج من الدار وتُعلن أن هذا الوليد ولدها.
وقوله تعالى: (لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) أي: لتكون أم موسى مؤمنة بالوحي الذي أوحى الله إليها، ولو لم تكن من المؤمنين لكانت من المكذبين، ولا يليق بنبية أن تكون من المكذّبين.
فهي من المصدقات بوعد الله، وهو أن الله راده عليها، وأنها ستنعم به وأنه سيكون عند الكبر نبياً رسولاً.


الصفحة التالية
Icon