تفسير قوله تعالى: (فلما أتاها نودي من شاطئ الواد الأيمن)
قال الله تعالى: ﴿فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾ [القصص: ٣٠] لما وصل موسى إلى الشجرة إذا به يُنادى من جانب الطور الأيمن ومن شاطئ الوادي، والوادي هو الطريق بين جبلين.
وقوله: (فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَة) أي: البقعة المقدسة التي تجلى الله فيها لموسى، والتي أشرقت أنواره سبحانه فيها، ﴿اللَّهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ﴾ [النور: ٣٥] فموسى عندما وصل هناك يفاجأ بما سيكون به قرير العين وبما ترتفع رتبته من مجرد إنسان عادي إلى نبي ورسول كريم، وإلى رسول من أولي العزم الخمسة من الرسل، وإلى أن خُص بكلام الله، فأصبح يلقب بكليم الله، أي: الذي شرّفه الله بكلامه، فناداه من عند الشجرة من الشاطئ الأيمن من الوادي في البقعة المباركة المقدسة من الطور: (أَنْ يَا مُوسَى) ناداه باسمه جل جلاله.
ثم قال: (إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) أي: أنا ربك ورب فرعون وملئه ورب بني إسرائيل، ورب العوالم كلها علويها وسفليها بجميع أنواعها ملائكة وإنساً وجناً، وكل ما وجد على الكون فالله ربه وخالقه ومولاه والقائم به جل جلاله.
وقوله: (وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ) وكانت في يد موسى عصا، وفي آية أخرى: ﴿وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى * قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى﴾ [طه: ١٧ - ١٨] أراد الله أن يسليه ويقوي قلبه ويبين له أن هذه العصا ليست كبقية العصي وإنما هي معجزة وستكون آيته الكبرى إلى فرعون وملئه، فقال الله له: ﴿وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ﴾ [القصص: ٣١] فامتثل وفعل وقذفها، ﴿فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ﴾ [القصص: ٣١] أي: لما ألقى العصا انقلبت حية تسعى، فلما رأى موسى هذه العصا تهتز وتلتوي التواء الأفعى، إذا به يفر ويهرب منها خائفاً، (فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ) أي: تضطرب.
(كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا) أي: أدبر على عقبه وذهب فاراً خوفاً من هذه الأفعى.
(وَلَمْ يُعَقِّبْ) أي: ولم يلتفت خلفه ليرى ماذا هناك، هو يظن أن هذه الأفعى تتبعه تريد افتراسه وتريد إيذاءه.
فقال تعالى له: ﴿يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الآمِنِينَ﴾ [القصص: ٣١] ناداه الله مرة أخرى وكلمه وقال: (يَا مُوسَى أَقْبِلْ) أي: عد إلي وتعال إلي (وَلا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الآمِنِينَ) لن تؤذى، وأنت آمن على نفسك وعلى حياتك وعلى مستقبلك، فلم الخوف والهرب والله هو الذي يكلمك؟!