تفسير قوله تعالى: (حتى إذا بلغ مغرب الشمس)
قال تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِنْدَهَا قَوْمًا﴾ [الكهف: ٨٦].
أي: استخدم الأسباب ووسائل المواصلات والسير إلى الطرق إلى أن بلغ مغرب الشمس، وهي آخر رقعة من الأرض حيث ليس وراءها إلا الماء.
قال تعالى: (وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ) وقرئ: حامية، أي: وجد الشمس تغرب في مرأى العين في عين فيه ماء حام، أي: حار، وقوله: (حمئة) أي: من ماء وطين أسود فيما تراه العين، وقد قال علماؤنا في تفسير هذه الفقرة من الآية الكريمة: كل إنسان إذا وقف على شاطئ البحر عند غروب الشمس يرى قرصها وكأنه في عين حمئة، أي: في ماء من تراب أسود إلى أن تغيب فلا يعود يراها، ذلك وصف نظر العين إليها، وإلا فالشمس فوق السماء وليست من الأرض، فهي تغيب وتحضر وتشرق على الأفلاك كما تشرق على الأرض.
قال تعالى: ﴿وَوَجَدَ عِنْدَهَا قَوْمًا﴾ [الكهف: ٨٦] أي: وجد عند غروب الشمس قوماً، وقد وصفهم بعض الصحابة أنهم قوم حمر قصار، وهذه صفة الهنود الحمر من سكان أمريكا، ومعنى ذلك: أن ذا القرنين حكم أقصى غرب الأرض وهي أمريكا، وحكم قومها الذين سموا بعد ذلك بالهنود الحمر، فسكانها الأصليون كانوا قصاراً حمراً يعيشون في أقصى الأرض عند مغرب الشمس، وما المغرب الأقصى المسلم وأوروبا إلا طريق إليها، وكان اكتشافها على أيدي من سموا في التاريخ العربي بالشباب المغرورين قبل خمسمائة عام، فهم الذين دلوا عليها واكتشفوها قبل كولومبس بدهر وإنما اتبع طريقتهم.
فهؤلاء القوم في صفتهم كما ورد عن الصحابة والتابعين ومفسري هذه الآية الكريمة: أنهم قوم حمر قصار، وهي صفة لسكان أمريكا الأصليين الهنود، وإنما جاء هؤلاء البيض طارئين عليهم مستعمرين أرضهم، جاءوا أوزاعاً وأشتاتاً من مختلف أقطار الأرض.
قال تعالى: ﴿قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا﴾ [الكهف: ٨٦] وبهذه الآية قال من قال عن ذي القرنين: إنه نبي من عند الله، إذ يقول الله: (قلنا يا ذا القرنين) فكأنه وحي، ولكن علماءنا أحصوا الأنبياء المذكورين في القرآن، فوجدوهم لا يتجاوزون الخمسة والعشرين فيمن ذكروا بأسمائهم فلم يكن ذو القرنين ممن سمي، وقالوا: هذا من باب الإلهام وليس من باب الوحي، وهذا رأي الأكثرين، ولو وجدنا من قال سوى ذلك من الجمهور أو الإجماع لقلنا بقولهم، بأن الآية تدل دلالة قوية على نبوته، ولكن مع قوتها اعتبروا هذا القول ليس إيحاء وإنما هو إلهام.
فهؤلاء القوم وجدهم ذو القرنين قوماً كافرين لا يؤمنون بالله ولا يعرفونه ولم تصلهم رسالة، وانتقلوا في مختلف بقاع الأرض بعد طوفان نوح الذي أغرق الجميع، وما أفلت إلا أقوام معدودون بالأصابع، فكان هؤلاء القوم مشركين كافرين بالله، فأطلق الله تعالى يد عبده الصالح ذي القرنين في هؤلاء، فقال له إلهاماً: ﴿يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا﴾ أي: إما أن تعاقبهم على كفرهم وعلى شركهم، وإما أن تحسن إليهم وتكرمهم حسب ما تراه من أحوالهم.
وإذا بـ ذي القرنين يجيب جواب المؤمن الصالح التقي، كما قال تعالى: ﴿قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا﴾ [الكهف: ٨٧] وهذا الجواب منه كذلك إلهاماً.
قوله: (أما من ظلم) الظلم هنا الكفر، أي: أما من وجدته كافراً مشركاً بربه فإني سأعذبه، والعذاب مطلق، قد يكون بالقتل وقد يكون بالتعذيب حتى الموت وبما شاء من عذاب.
قال: (ثم يرد إلى ربه) معنى ذلك أن الرجل الصالح ذا القرنين يؤمن بالبعثة بعد الموت وباليوم الآخر شأن جميع المؤمنين الموحدين.
قال: (ثم يرد إلى ربه فيعذبه عذاباً نكراً) أي: ثم يرد هذا الظالم المشرك بعد تعذيبي له في الدنيا على كفره وشركه إلى ربه، أي: سيموت ثم يبعث يوم القيامة وسيكون عذابه على يد ربه عذاباً نكراً أي: موجعاً شديداً تستنكره نفسه ويجد عذاب الدنيا ليس عذاباً بالنسبة له، بل سيجده رحمة ونعيماً.
وهكذا شأن الكافرين بالله عموماً، يعذبون في الدنيا حسب ما أمرت به الشرائع، ثم إذا ماتوا على الكفر والشرك ولم يفد فيهم تأديب ولا تعذيب ولا عقاب، عذبوا يوم القيامة عذاباً موجعاً مؤلماً بما لم يكن يخطر لهم ببال.
قال تعالى: ﴿وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا﴾ [الكهف: ٨٨].
أي: أما من آمن بالله واحداً، وآمن بالرسالات إلى الأنبياء، فهذا سيكون جزاؤه أي: مكافأته (الحسنى) والحسنى: الجنة، سيكون له من ربه الرضا ودخول الجنان والخلود فيها جزاء إيمانه وعمله الصالح، والإيمان قول باللسان واعتقاد بالجنان، وعمل بالجوارح والأركان، ولا يتم للإنسان أن يوصف بالمؤمن حقاً إلا إذا اعتقد قلبه اعتقاداً يقينياً بوحدانية الله، وبصدق رسله، وبما أنزله عليهم من كتبه، ثم بعد ذلك يصدق الاعتقاد والجنان بقول لسانه، بحيث يقول: أشهد أن لا إله إلا الله ويشهد لرسوله، كل حسب من كان في عصره من الرسل، أما بعد البعثة المحمدية فيقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ثم يعمل الصالحات وفي الدرجة الأولى الأركان التي بعد الشهادتين: الصلاة ثم الصيام ثم الحج ثم الزكاة، وبصفة عامة أن يترك الشرك كلياً، وأن يعمل من الخير ما يقدر عليه.
وضابط ذلك ما قاله النبي عليه الصلاة والسلام: (ما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم، وما نهيتكم عنه فانتهوا)، فلا زنا، ولا سرقة، ولا نميمة، ولا ربا، ولا رشوة، ولا سحت، ولا غير ذلك من أنواع الكبائر والمحرمات، يتركها المسلم البتة دون اختيار واحدة على واحدة.
أما عمل الصالحات فالقدرة العملية لها حد وطاقة، فمن عجز عن الحج سقط عنه، وقد يكون له بدل، وقد يعجز حتى عن البدل، وأمرنا الله بالصيام، فوجد منا المريض والحائض والنفساء والمسافر، فيسقط حال ذلك الصيام ويعوض، وأمرنا الله بالصلاة مستقبلين الكعبة طاهرين متوضئين بالماء، فمن عجز عن الماء أو فقده أو جهل الكعبة أو ما استطاع أن يصلي قائماً صلى قاعداً فإن لم يستطع فعلى جنب، وينتقل من الماء إلى الصعيد الطاهر، وهكذا في الأفعال والأمر بها: (فأتوا منها ما استطعتم).
قال تعالى: ﴿وَعَمِلَ صَالِحًا﴾ [الكهف: ٨٨] يؤكد إيمانه بأن يعمل الصالحات من عبادة لربه، والإخلاص له، والإحسان إلى عباد الله المؤمنين.
قال تعالى: ﴿فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى﴾ [الكهف: ٨٨] (جزاءً) منصوب على أنه مفعول مطلق، أي: جزاؤه الجزاء، ومكافأته المكافأة الحسنى، والحسنى: الجنة.
قال تعالى: ﴿وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا﴾ [الكهف: ٨٨] أي: من يدخل تحت إمكاننا وقدرتنا فنحن نقول له القول اللين والكلام الميسر، ونحسن إليه بمالنا ولساننا وبما نستطيع، ونعينه في أمرنا وسلطاننا وأحكامنا كل حسب مقدرته وعلمه وطاقته.