تفسير قوله تعالى: (ولقد وصلنا لهم القول)
قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ﴾ [القصص: ٥١].
الله جل جلاله كما قال نبينا صلى الله عليه وسلم: (لا أحد أصبر على الأذى من الله)، فهو يرزقهم وهم يكفرون به، ويمهلهم وينظرهم السنوات وعشرات السنين، والله يمهل ولا يهمل، فإذا أخذ الكافر لم يفلته، فيأخذ أخذ عزيز مقتدر، قال ربنا في هذه الآية: ﴿وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ﴾ [القصص: ٥١]، وصلنا: تابعنا، فهو أرسل الرسل من قبل على هؤلاء البشر منذ آدم إلى نبينا عليهم الصلاة والسلام، فقد أنزلنا القرآن وتابعنا فيه القول آية بعد آية، وسورة بعد سورة، وكلفنا نبينا وعبدنا محمداً ﷺ بالبلاغ، فهو يأتي للآية فيفسرها ويؤولها ويشرحها بلغات مختلفة، ويقولها تارة بعبارة، وأخرى بعبارة، وكان عليه الصلاة والسلام إذا قال الكلمة أعادها ثلاثاً؛ لتفهم عنه، وقد يقرأ الآية ويشرحها سواء في حضر أو في سفر أو في مجلس خاص أو في المسجد النبوي أو في ليل أو في نهار، لا يمل ولا يكل، وكان يقول: (إنما علي البلاغ وليس علي الهداية)، فالهداية بيد الله والبلاغ علي، فكان لا يكل ولا يمل، والله يقول جل جلاله: ﴿وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ﴾ [القصص: ٥١]، فوصل القول لكل الخلق والبشر، وتابعه آية بعد آية، ونبياً بعد نبي، وكتاباً بعد كتاب.
قال تعالى: ﴿لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ﴾ [القصص: ٥١]، لعلهم يوماً يعون ويفهمون ويدركون ويقولون: لقد ظلمنا يوماً، وينتهزون حياتهم قبل مماتهم، وشبابهم قبل شيخوختهم، وغناهم قبل فقرهم، وبالتالي حياتهم قبل موتهم، وإلا فإذا وصلت الروح إلى الحلقوم، فلن ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل، أو كسبت في إيمانها خيراً.
قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ﴾ [القصص: ٥١]، أي: تابع ووصل بعضه ببعض، وجعل بعضه في ذيل بعض، في كل وقت وزمن وعصر، وفي كل كتاب نزل من السماء، ومع كل نبي أرسل من قبل الله جل جلاله، ونبينا ﷺ كلف بأن يزيد البلاغ والشرح والبيان، وقد فعل صلى الله عليه وسلم.


الصفحة التالية
Icon