تفسير قوله تعالى: (قل أرأيتم إن جعل الله عليكم النهار سرمداً)
قال تعالى: ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلا تُبْصِرُونَ﴾ [القصص: ٧٢] أي: قل لهؤلاء المشركين الذين يعبدون الأحجار: لو أن الله جل جلاله جعل الدنيا والسنوات كلها نهاراً وضياءً وشمساً فهل آلهتهم المزيّفة تستطيع أن تأتيهم بليل يسكنون فيه ويجدون راحتهم وهدوءهم واستقرارهم من عذاب النهار وتعبه ومشاقِّه؟ الجواب باستمرار: لا، وليس ذلك إلا لله وحده القادر على كل شيء.
قال تعالى: ﴿أَفَلا تُبْصِرُونَ﴾ [القصص: ٧٢] أي: أليس لكم بصائر! لم يقل: (أعين) هذه المرة؛ لأن العمى عمى البصر ﴿فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ﴾ [الحج: ٤٦] وقد تجد الإنسان مفتّح العينين، لكنه أشد عمى من الأعمى؛ لأن البصيرة عمياء لا تُبصر ولا تُدرك ولا تفهم ولا تعي ما يقال لها، لا بما رأته عيناً ولا بما سمعته أذناً ولا بما أحسّته ببشرتها.
فقوله: ﴿أَفَلا تُبْصِرُونَ﴾ [القصص: ٧٢] استفهام إنكاري توبيخي تقريعي؛ لأن الليل جُعل للسكن والراحة، لتهدأ الروح والحواس، وجُعل النهار للأعمال فتتعب الروح والحواس وتتعب الأيدي والأرجل، فلو لم تسترح هذه الحواس وهذا الجسد وهذه الروح فإنها مع الأيام تهلك وتموت؛ وهكذا لو كان الليل باستمرار ولم تُشرق الشمس فسيكثر أمراض البيت، وتكثر أوبئته، ويكثر فساده، والجسد إذا لم ير الشمس ويسطع عليه نورها وتمسه شعاعاتها يمرض ويكل، والنبات كذلك إذا لم ير الشمس وتشرق عليه فإنه يذبل ولا يكاد يُعطي ثمرة، والليل كذلك، فإن ضياء القمر به يرى الإنسان نفسه ويرى النبات، وهكذا نرى البحار بين مد وجزر تأثراً بالقمر.