تفسير قوله تعالى: (ونزعنا من كل أمة شهيداً)
قال تعالى: ﴿وَنَزَعْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا فَقُلْنَا هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ فَعَلِمُوا أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ﴾ [القصص: ٧٥].
أي: أخذ من كل أمة شهيداً؛ وشهداء الأمم رسلهم وأنبياؤهم، قال تعالى: ﴿وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيدًا﴾ [النساء: ٤١].
يُخاطب الله نبينا بهذه الآية، وعندما تلا هذه الآية ذرفت عيناه صلى الله عليه وسلم، فالله يوم القيامة عند مُحاسبة كل أمة وعند عرض أعمالها عليها يدعو نبيها وينزعه من بين أمته ويقول: اشهد، هل بلّغتهم؟ فلا يستطيعون النكران.
قال تعالى: ﴿فَقُلْنَا هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ﴾ [القصص: ٧٥].
أي: دليلكم على الشرك وسلطانكم على الكفر وبرهانكم على أن ما عشتم فيه في دنياكم كان حقاً وصواباً، قال تعالى: ﴿فَعَلِمُوا أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ﴾ [القصص: ٧٥].
أي: علموا بعد فوات الأوان أن التوحيد هو الحق وأن الرسل هم الحق، أن الله هو الحق، وأن الكتب هي الحق، فاعترفوا بعد فوات الأوان يوم ﴿لا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ﴾ [الأنعام: ١٥٨].
قال تعالى: ﴿وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ﴾ [القصص: ٧٥].
أي: غاب عنهم افتراؤهم وكذبهم وضلالهم وشركهم وكفرهم ومعاصيهم، فكل هذا يعرضه الله علينا في الدنيا ولم يحدث بعد، ولكن لنعلم ونأخذ منه العبرة والدروس، حتى إذا جئنا إليه جل جلاله جئنا ونحن نعلم ما سيكون بعلم الله ووحيه وبلاغ رسله عليهم الصلاة والسلام، ولتكون الحجة البالغة لله، فلا يقول قائل منا: لم يأتني رسول! لم أسمع كتاباً! لم أسمع وحياً! بل سيكون أول
Q من نبيك؟ هل آمنت بنبيك؟ فلن يستطيع أن يقول: لم أسمع بنبي، ولم أدرك نبياً، ولم يبلغني أحد عن نبي؛ وهنا يضيع عنهم كفرهم وكذبهم وبُهتانهم في الدنيا.


الصفحة التالية
Icon