تفسير قوله تعالى: (ولا تدع مع الله إلهاً آخر)
قال تعالى: ﴿وَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ [القصص: ٨٨].
قال الله لعبده ونبيه وسيد خلقه صلى الله عليه وعلى آله، إياك يا محمد! أن تدعو لإله آخر غير الله، فلا تدع هبل ولا مناة ولا العزى ولا ما يدعو إليه قومك، ولا أحد من الشركاء مما أشرك به الذين لا يملكون عقلاً ولا نوراً ولا هداية.
فلا إله إلا الله، فهو الإله الواحد، والرب الواحد، وهو الله الفرد الصمد، وهو الذي لا شريك له، هو الذي لا يشبه أحداً من خلقه ولا يشبهه أحد من خلقه، فعش على لا إله إلا الله ومت على لا إله إلا الله.
وعض على ذلك بالنواجذ، وهو أمر لرسول الله وهو أمر لنا كذلك، فمن غير أو بدل فإنه يوشك أن يخرج عن دين الإسلام، ونرجو الله أن يثبت أقدامنا، وأن يديم إيماننا، وأن يحيينا مسلمين ويميتنا مسلمين، ويحشرنا تحت لواء سيد المرسلين محمد صلى الله عليه وعلى آله.
ولا إله إلا الله مفتاح الإسلام، وهي أول كلمة في الأذان، وأول كلمة في الإقامة التي لا يتم إيمان المؤمن إلا بها، والتي من قالها حفظ ماله ونفسه وعصما، ومن لم يقلها حل دمه وماله وأهله وعياله.
يقول نبينا عليه الصلاة والسلام: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله).
وقوله تعالى: ﴿كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ﴾ [القصص: ٨٨] أي: كل شيء هالك إلا ذاته، فيطلق الوجه في كتاب الله ويراد به الذات العلية، وهنا أيضاً استثناء، فهو جل وعلا يستثني وجهه، أي: ذاته من أن تهلك.
ومعناه: ليس هناك في الأرض شريك، وإن أشركوا به فهو هراء وباطل.
وكما قال النبي عليه الصلاة والسلام: (أصدق كلمة قالها الشاعر كلمة لبيد: ألا كل شيء ما خلا الله باطل).
فكل ما خلا الله وكل ما سوى الله باطل، فان، زائل، قال تعالى: ﴿كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ﴾ [الرحمن: ٢٦ - ٢٧].
فقوله تعالى: ﴿كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ﴾ [القصص: ٨٨] أي: كل شيء ميت، فان، باطل، ضائع، ولو عبدت شركاء من دون الله، ولو زعمت الألوهية لخلق من الخلق ملائكة وإنساً وجناً وجمادات وحيوانات وكل ما فعله الحقير في هؤلاء الذين ذهب الله بنورهم، وقد رزقهم العقل والسمع والبصر فلم يستفيدوا منه، وكانوا كالأنعام بل هم أضل.
وقوله تعالى: ﴿لَهُ الْحُكْمُ﴾ [القصص: ٨٨] أي: الفصل، والحكم لله وحده، فهو الذي يفصل بين العباد يوم القيامة، فيفصل بين النصراني واليهودي والمسلم والوثني.
وهو جل جلاله يحكم بين عباده، ولن يحكم معه أحد، وبعد أن تفنى الدنيا ينادي الله جل جلاله فيقول: أنا الملك، أين الملوك؟ فلا مجيب، فيجيب نفسه بنفسه: أنا الملك، جل جلاله وعز مقامه.
فهو الحاكم الذي يفصل بين الخلق يوم العرض على الله، فيعلم الناس إذ ذاك الحق من الباطل، ولا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل، هيهات! وسيتمنى الكفار على الله ولو ملكوا الدنيا لافتدوا بها على أن يعودوا للدنيا ليعبدوا الله وليؤمنوا به وليوحدوه، ولكن هيهات! ولو عادوا إليها لما فعلوا إلا كما كانوا يفعلون من قبل، هكذا قالت لهم الملائكة، وهكذا حكم الله الحاكم الفرد جل جلاله.
وقوله تعالى: ﴿وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ [القصص: ٨٨] يا هؤلاء البشر! يا من كفر بالله! يا من خرج عن دين الله! يا من ضل وأضل وعلا في الأرض طغياناً وفساداً! عما قريب ستهلكون جميعاً، وتموتون جميعاً ولا يبقى إلا وجه الله الكريم، وترجعون إليه ليحكم بينكم إما إلى جنة وإما إلى نار.
فمن مات مؤمناً موحداً يرجو الخير ولو عذب ودخل النار، ومهما أقام فيها فنهايته للخروج منها ودخول الجنة، وقد يغفر الله له من أول مرة فلا يدخلها، أو يدخلها شيئاً قليلاً.
وأما الكافر الذي مات على الشرك ولم يقل يوماً: ربي الله فهذا لا مغفرة له ولا رحمة له، قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ﴾ [النساء: ٤٨].
وبهذا نكون قد أتممنا سورة القصص ولله الحمد والنعمة والشكر والمنة، ولم نقطع دراستها يوماً، ولم نتأخر عن تدريسها لا يوم خميس ولا يوم جمعة ولا حتى أيام الانتقال للمدينة المنورة التي أتابع فيها دروساً أخرى في الحديث في مسند أحمد، وقد أعان الله عليها ودرسناها وفسرناها متتابعة، وأعنتم أنتم بالحضور وبالسمع، وأعانني الله بمتابعتها وشرحها وبيانها، وهذا بعلم الله وفضله.