تفسير قوله تعالى: (والذين آمنوا وعملوا الصالحات)
قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [العنكبوت: ٧].
في الآية الماضية كان الكلام على الكافرين والمترددين والمنافقين، وسنة الله في كتابه أنه يتكلم عن الكفر بعد الإيمان، وعن الإيمان بعد الكفر، وعن العذاب بعد الرحمة، وعن الرحمة بعد العذاب؛ ليبقى الإنسان بين خوف ورجاء، وبين طاعة دائمة وتردد فيما إذا كان من المنافقين.
فلأهل الجنة وللمطيعين آيات الرحمة والوعد بالجنة والرضا، وللكافرين والمنافقين التهديد والوعيد بالنقمة والعذاب والنار، قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ [العنكبوت: ٧] فلابد مع الإيمان من عمل الصالحات.
والإيمان: التصديق بالقلب والقول باللسان وعمل الصالحات بالأركان؛ ليؤكد الخُبر الخبر.
قال تعالى: ﴿وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ [العنكبوت: ٧] أي: من القيام بالأركان الخمسة جميعها بالتزام الشهادتين وآدابها، والتزام الصلوات الخمس في اليوم والليلة، والتزام صيام شهر رمضان من كل عام، والتزام الحج مرة في العمر لمن وجد زاداً وراحلة، وأداء الزكاة لمن رزقه الله مالاً يؤدي زكاته، ويتبع ذلك ترك المنكرات والمحرمات جميعها، وفعل الطاعات حسب جهده وطاقته، وضابط ذلك وجامعه قوله عليه الصلاة والسلام: (ما أمرتكم به فافعلوا منه ما استطعتم، وما نهيتكم عنه فاجتنبوه) وقوله: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾ [التغابن: ١٦].
فلا تزن ولا تسرق ولا تنافق ولا تكذب ولا ترتش ولا تراب ولا تظلم، فهذه النواهي جميعها لا بد منها؛ لأن السلب لا يتعلق إلا بالإرادة، بأن تكون إرادتك قوية وإيمانك صحيحاً، وأما الأفعال فعلى قدر الطاقة، مثل الأمر بالصلاة قياماً، فإذا عجز المريض فقد قال تعالى: ﴿لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾ [البقرة: ٢٨٦]، ومثل الأمر بالصيام فإن كانت حائضاً أو نفساء أو وجد مسافر أو مريض فـ ﴿لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾ [البقرة: ٢٨٦].
ومثل الأمر بالحج فإن لم يجد هذا المأمور زاداً ولا راحلة فـ ﴿لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾ [البقرة: ٢٨٦].
أما ما لا تفعل فهي في إمكان كل أحد امرأة كانت أو رجلاً؛ لأنها لا تحتاج إلى قدرة، وإنما تحتاج إلى إرادة قوية وإيمان صادق يحقق هذه الإرادة القوية.
قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ﴾ [العنكبوت: ٧]، فهنا يخبر الله جل جلاله ويتعهد باللام الموطئة للقسم ويؤكده بالنون الثقيلة: ﴿لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ﴾ [العنكبوت: ٧] والتكفير: الستر، أي: تستر وتزال، أي: لا يحاسب عليها المؤمن الذي يأتي بالصالحات.
﴿وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [العنكبوت: ٧]: أي: يجازيهم الله عن الذي كانوا يعملون بأحسنه، والحسنة بعشرة أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى ما لا حد له مما أراد الله، وقد تكون الحسنة الواحدة سبباً في دخول الجنة، وقد تكون السيئة الواحدة نوعاً من الكفر، قال صلى الله عليه وسلم: (إن أحدكم لينطق بالكلمة لا يلقي لها بالاً فيهوي بها في النار سبعين خريفاً)، أي: ولا يصل إلى القعر، كأن يقول كلمة يمزح بها وهي تتعلق بالذات العلية أو تتعلق بالنبوة الكريمة فيرتد بها ويكفر.
وأما المسلم المؤمن الذي يقوم بالصالحات فمهما كان منه من سيئة فإنه يكفّر عنه سيئاته بهذا الشرط، ويجازيه على الحسنات أحسنها وأكرمها وأتمها وأسبقها، والحسنة بعشرة أمثالها إلى سبعمائة ضعف.
هذا جزاء المؤمن الصادق العامل للصالحات والقائم بها: أن تكفّر سيئاته، وتسجّل حسناته بأحسنها.
قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [العنكبوت: ٧]، أي: يجازيهم الله ويكافئهم على أعمالهم بأعلى الحسنات والأجر والثواب.