تفسير قوله تعالى: (ثم أتبع سبباً)
قال تعالى: ﴿ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا﴾ [الكهف: ٨٩].
أي: ثم أخذ طريقاً، فهو لا يزال يقطع الأرض والبحار والجبال والفيافي وأعطاه الله الأسباب من الجند والمال والقوة السيادة والعز ليستطيع التصرف في ذلك تمكيناً له في الأرض مشرقاً ومغرباً وما بينهما، فهو يتنقل بأسبابها علماً بالطرق والمنازل والحكم، وإرشاداً لهذا وعقوبة لهذا والإحسان إلى المحسن والإساءة إلى المسيء.
قال تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا﴾ [الكهف: ٩٣] أي: وصل بين إقليم وإقليم وبينهما ممر سحيق قد يكون ودياناً وقد يكون كهوفاً وقد يكون بحاراً، وعلى كل كان هذا بناحية وهذا بناحية.
قال: ﴿وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا﴾ أي: من دون هذا الإقليم ومن دون هذا الإقليم، وجد ﴿قَوْمًا لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا﴾ أي: فيهم صفات الحيوانية من الجهل وعدم العلم والمعرفة فلا يكادون يفقهون قولاً من أحد، ومن قال: إنهم لا يفهمون اللغة فهذا ليس بصحيح، فإن الأمم التي تنقل فيها ذو القرنين كان لكل منهم لغته ونظامه لا تشبه هذه هذه إلا قلة قليلة لا تكاد تتجاوز الأصابع ممن تكلفت ذلك وتعلمته، ولا يقال: إن تلك اللغة انتشرت بين جميع شعوب الأرض، وقد قيل: إن ذا القرنين مما أعطي له من الأسباب أنه كان يتقن مخاطبة كل أمة بلغتها، فقد كان ذلك من الأسباب التي أكرمه الله بها، ومن الوسائل التي مكنه الله منها في الأرض.
قوله: (لا يكادون) يكاد: من أفعال المقاربة، أي: أنهم يفهمون قليلاً ويدركون قليلاً، ومن الإدراك الذي أدركوه أن هذا الذي وصل بلدهم بجيوشه وسلطانه وقوته قد أعطاه الله الأسباب على ذلك، وإذا بهم ينتهزون فرصة وجود ذي القرنين ويأتونه قائلين: يا ذا القرنين!


الصفحة التالية
Icon