تفسير قوله تعالى: (وما أنتم بمعجزين في الأرض ولا في السماء)
قال تعالى: ﴿وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ﴾ [العنكبوت: ٢٢].
أي: يا هؤلاء! مهما ظننتم أنكم من القوة والحول والطول والقنابل الذرية والهيدروجينية، واذكر ما شئت من آلات السحق والمحق وفناء الأرض فهيهات أن يعجزوا الله خالقهم، هو القادر متى شاء أن يفنيهم وأن يسحقهم، والأمم التي سبقتهم لم تكن بأضعف منهم، فأين دولة الفرس؟ وأين دولة الرومان؟ وأين من قبلهم؟ وأين الكثير من الدول التي عاصرناها؟ وأين المملكة التي كانت لا تغرب عنها الشمس؟ أصحبت أذل من شسع النعل تسعى إلى العرب والمسلمين لتعيش على فتات موائدهم.
واذكر غيرهم وغيرهم، ويوشك عن قريب أن يذهب الكل، نتيجة غضب الله عليهم، ونتيجة ارتباط مستقبلهم بمن أذلهم الله وكتب عليهم الذل واللعنة إلى الأبد، ﴿لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ﴾ [المائدة: ٨٢]، ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ﴾ [الأعراف: ١٦٧]، فذاك وعيد الله ولن تقف قوة في وجهه، ومن حاول فلا يزيد على أكثر من أن يذل نفسه، ويربط مصيره بمصير هؤلاء الأذلاء، وهؤلاء القردة والخنازير وعبدة الطاغوت.
وهؤلاء ليسوا أعداءنا نحن فقط، ولكنهم أعداء الله، ولقد لعنوا في كتبهم وعلى لسان أنبيائهم، وجدد اللعن القرآن الكريم فقال: ﴿لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ﴾ [المائدة: ٧٨]، فمن أول أنبيائهم إلى آخر أنبيائهم وهم يلعنونهم، ونزل القرآن على محمد ﷺ فأمر بطردهم من ديار المسلمين، ولكن دولاً متأخرة، ودولاً جاءت بعد عهد الخلفاء الراشدين لم يطبقوا دين الله، ولا حكم الله فأبقوهم، فكان ما كان عقوبة للمسلمين؛ لبعدهم عن الله، وكفرهم به وردتهم، ورحم الله من قال: ردة ولا أبا بكر لها، وكما قال النبي عليه الصلاة والسلام: (كما دخلتم في دين الله أفواجاً ستخرجون من دين الله أفواجاً).
ومن هنا ونحن نتلو قصة خروج الدابة، فستخرج في مكة قبل غيرها، عندما تكلم الناس ﴿أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لا يُوقِنُونَ﴾ [النمل: ٨٢] ثم هي تجرحهم وتكلمهم وتكتب في جبين كل كافر ومؤمن، فالكافر يفضحه الله ويكشفه أنه مسلم في المظهر وكافر في المخبر، ومنطو على الكفر، وعلى إعزاز اليهودية والنصرانية، وإعزاز النفاق، والله لم يقل: العزة لغير المؤمنين، وإنما العزة لله ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون، وقد ذكر الله عن هؤلاء الذين لا يعلمون: أنهم منافقون، وإسلامهم كذب، وليس لهؤلاء أن يعايشوا إلا وهم أذلاء حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون، وأما أن يكونوا سادة وقادة فلا يقبل ذلك، ولا يسعى فيه إلا كاذب منافق ربط مصيره باليهود وذُلّ اليهود ولعنة اليهود.