تفسير قوله تعالى: (ولوطاً إذ قال لقومه)
قال تعالى: ﴿وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ﴾ [العنكبوت: ٢٨].
قصة لوط مضت قريباً، لكن كررها لأن الشيء إذا تكرر تقرر، وذلك لتنفير الناس من مثل فواحش وبلايا قومه.
فالقرآن الكريم وحي الله وكلامه، فالله أنذر من سيأتي بعد هؤلاء أن يفعلوا فعلهم، وقد فعلوا فعل جميع قوم لوط بتفاصيل ذلك وكلياته فأنذروا بذلك، لكنهم أبوا إلا الكفران، وأبوا إلا اتباع أهل الفواحش والمنكرات، عاصين ربهم، خارجين عن دينه، يفعل ذلك من لا يزال كافراً، وفعل ذلك من يزعم أنه مؤمن في دعواه.
وقوله: (ولوطاً) أي: وأرسلنا لوطاً، فهو منصوب على المفعولية.
ويمكن أن يكون التقدير: اذكر يا محمد! لوطاً، وخذ العبرة والحكمة منه لقومك، عندما تدعوهم إلى محاسن الأخلاق وتنفرهم من مساوئها وفواحشها وقبائحها.
﴿وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ﴾ [العنكبوت: ٢٨].
يؤكد ذلك بلام التوكيد، يقسم على أنها فاحشة، ويؤكدها بإن المؤكدة أول الكلام.
قوله: ﴿مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ﴾ [العنكبوت: ٢٨].
أتيتم بفاحشة لم تكن قبلكم قط، لم تعرف في الأنبياء السابقين في أقوامهم، لم تعرف في عهود آدم إلى نوح إلى إدريس إلى شعيب إلى إبراهيم إلى أن قام قوم لوط في سدوم.
هذا وليست الفاحشة فقط هي الجريمة، بل هي علاوة وزيادة على الشرك بالله والكفر وأنواع المناكر، انفردوا بفاحشة من دون العوالم، وهي الاستغناء بالرجال عن النساء بلية وشذوذاً وبعداً عن طبيعة الأشياء، في الأرض العقيم التي لا يصدر عنها ولد ولا إنتاج ولا زراعة، في المكان الذي لا يكون إلا للقذر والوسخ، فتركوا نساءهم التي ينتجون منهن ذرية وأولاداً تعبد الله يوماً، وتخدم المسلمين يوماً، وتنشر الدعوة إلى الله يوماً، وذهبوا إلى أرض جدباء مع القذر والوسخ وعلقوا بذلك وعشقوا وعاشوا فيه مضافاً إلى الكفر والشرك، وإلى الفواحش بأنواعها.