تفسير قوله تعالى: (ولما أن جاءت رسلنا لوطاً)
قال تعالى: ﴿وَلَمَّا أَنْ جَاءَتْ﴾ [العنكبوت: ٣٣].
المحاورة السابقة كانت مع إبراهيم، والكلام كان مع إبراهيم نبي الله وخليله، والآن سيذهبون إلى لوط ليبلغوه الرسالة: ﴿وَلَمَّا أَنْ جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا﴾ [العنكبوت: ٣٣].
معنى ذلك: أن هؤلاء جاءوا في صورة شباب حسان كاملين، فلما جاءوا استاء من مجيئهم واغتم وتألم وتوجع وضاق بهم ذرعاً، فماذا سيصنع؟ إن هو أدخلهم للدار وأضافهم وأكرمهم خاف من أن يأتي قومه إليهم فيؤذونه فيهم، ويفعلون ما يفعلونه عادة بالرجال، وإن هو رفض ضيافتهم ودخولهم للبيت خاف إن وجدوهم أن يأخذوهم بالقوة وبالعنف وبالإيذاء.
فهو على العموم استاء منهم، واغتم من مجيئهم، وحمل هماً كبيراً، وضاق بهم ذرعاً، وتبرم وتحير، وإذا بهم يشعرون بذلك فيجيبونه قائلين له: ﴿وَقَالُوا لا تَخَفْ وَلا تَحْزَنْ إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلَّا امْرَأَتَكَ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ﴾ [العنكبوت: ٣٣].
أشعروه بأنهم ملائكة، ولم يشعر بهم لأول مرة، كما لم يشعر بهم عمه إبراهيم، فعندما أشعروه بأنهم ملائكة علم أنهم ناجون وأن قومه أحقر وأقل وأذل من أن يصلوا إليهم بسوء، وقد قالت القصة: جاء القوم وبلغت امرأته القوم بإشارة بينه وبينها، فعندما جاءوا وزاد لوط تبرماً، وزاد ضيقاً وإساءة، خرج أحدهم وإذا به يظهر جناحه، فضرب هؤلاء فطمست أعينهم وذهبت، أي: أصبحت لا شيء ولم تبق سوى الجبهة فقط، فأخذوا يصيحون فجاء من ينقذهم فأصيبوا بمثل تلك الإصابة.
قوله: ﴿وَقَالُوا لا تَخَفْ وَلا تَحْزَنْ﴾ [العنكبوت: ٣٣].
أي: لا تخف يا لوط! فلن يمسوك بسوء، ولا تحزن على نفسك، ولا تحزن عليهم، ولا تحزن على أهلك، ﴿إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلَّا امْرَأَتَكَ﴾ [العنكبوت: ٣٣]، أنت ستنجو وستنقذ منهم، وسنمهلك إلى الصباح للخروج عنهم وعن حدود أرضهم: ﴿وَأَهْلَكَ إِلَّا امْرَأَتَكَ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ﴾ [العنكبوت: ٣٣]، سننقذك وأهلك من هذا البلاء، من هذا الذي أمرنا بأن نصنعه بهذه المذنبة وقومها.


الصفحة التالية
Icon