تفسير قوله تعالى: (كل نفس ذائقة الموت)
فعندما أمروا بالهجرة، وبأن يتركوا مكة لغيرها، أخذوا يقولون: كيف نترك أوطاننا، وأرزاقنا، وعيالنا إلى بلاد غريبة عنا، قد نهلك ونموت؟ فكان جواب الله لهم: ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ﴾ [العنكبوت: ٥٧].
الموت الذي تخافون منه هو ملاقيكم، وسيموت من هاجر ومن لم يهاجر، وليس الموت بالهجرة أو بعدمها، وليس الموت بغنى ولا بفقر، وليس الموت بسلطان أو بغير سلطان، إنما الموت بالآجال: ﴿فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ﴾ [الأعراف: ٣٤] فانتظروا الموت حيث كنتم: ﴿وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ﴾ [النساء: ٧٨].
والموت لاقيكم لا محالة، خوطب بذلك الأنبياء قبل غيرهم، وخوطب به خاتم الأنبياء عليه الصلاة والسلام فقيل له: ﴿إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ﴾ [الزمر: ٣٠].
فلن يدوم أحد: ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ﴾ [العنكبوت: ٥٧].
﴿كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ﴾ [الرحمن: ٢٦ - ٢٧].
إنما الحياة الدائمة والباقية هي الحياة الآخرة، فهي التي لا موت فيها، فمن دخل النار فهو خالد فيها أبدا، ومن دخل الجنة فهو خالد فيها أبداً.
فأما الدنيا فللموت وجدت، وللفناء كانت، وهي برزخ للآخرة، فمن عمل خيراً فليحمد الله، ومن عمل غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه.
﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ﴾ [العنكبوت: ٥٧].
ثم بعد الموت سيرجع الكل إلى الله جل جلاله، للعرض عليه، فيحاسب كل على عمله إن خيراً فخير، وإن شراً فشر.