تفسير قوله تعالى: (وعد الله لا يخلف الله وعده)
قال تعالى: ﴿وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ﴾ [الروم: ٦].
هذا وعد من الله لنبيه وللمؤمنين بعد أن أخبرهم بنصر الفرس على الروم فقال: ﴿غُلِبَتِ الرُّومُ * وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ﴾ [الروم: ٢ - ٤].
ووعد الله هنا منصوب على المفعولية المطلقة، أي: وعد الله وعداً، فهو مفعول مطلق لفعل محذوف وهو وعد، أي: وعد وعداً حقاً لا تأخير فيه ولا تراجع.
فقوله: ﴿وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ﴾ [الروم: ٦].
زاد الله كلامه بياناً، فقد وعد بنصر الروم وقد انتصروا بعد بضع سنين.
﴿وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ﴾ [الروم: ٦] أي: أكثر الكفار، ﴿وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [الأنعام: ١١٦].
فهؤلاء لا يعلمون لله قدرة ولا إرادة ولا وحدانية، وهؤلاء لا يعلمون لله وعداً ولا وفاءً بوعد، وهؤلاء الضالون المضلون -وهم أكثر الناس- لا يعلمون توحيداً، ولا يعلمون إلهاً، ولا يعلمون وعداً بحق، ولا يصدقون نبياً، ولا كتاباً سماوياً، فهم في ظلمات بعضها فوق بعض إذا أخرج الرجل يده لم يكد يراها، فقد أصبح القلب مظلماً لا يستنير بنور دين، ولا بنور نبي، ولا بنور كتاب سماوي، بل لا يزدادون عند الأنوار إلا عمىً؛ فتعمي الأنوار أبصارهم، ويصعد الران على قلوبهم، فلا يعلمون عن الحق شيئاً.