معنى قوله تعالى: (خلق الله السماوات والأرض وما بينهما)
قوله: ﴿أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى﴾ [الروم: ٨].
ولن يستطيعوا الوصول إلى الحقيقة إلا بدلالة نبي ورسول، ولم يكن دليل الخلق إلا محمداً صلى الله عليه وعلى آله، والكتاب المرشد الهادي خاتم الكتب، وبسوى القرآن الكريم ومحمد ﷺ لن يصل أحد للحق لا فرد ولا جماعة، وسيبقون في ضلال يتبعه ضلال إلى الهلاك إلى أن يصبحوا يوماً بين يدي الملكين السائلين في القبر وهما يسألانهم بإزعاج وقلق: من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟ حتى إذا عجز عن الجواب أخذته المرازب، فيضربه الملك ضربة إلى أن يصل إلى الأرض السابعة، ثم يأخذونه بعنف.
وهكذا يبقى إلى يوم العرض على الله يوم القيامة وروحه تعذب ويزداد عذابها وتمتحن ويزداد امتحانها، وهكذا كل كافر عاش كافراً ومات كافراً.
﴿أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى﴾ [الروم: ٨]، فليتفكروا بعد أنفسهم في هذه السموات ما هي؟ وكيف رفعت بغير عمد؟ وما الذي فيها؟ ولم كانت؟ وكيف كونت؟ ومن خلقها؟ وهذه الأرض التي نحن عليها من حملها؟ وكيف حملت؟ وأين العمد التي حملت عليها؟ وكيف جاء هذا الخلق الكثير من الإنس والجن والطير والحيوانات؟ وما هو البر؟ وما البحر؟ وما في البحر من غرائب وعجائب من أشكال زاحفة وماشية ومفترسة وصغيرة وكبير يأكل الصغير فمن خلقها؟ وما الحكمة من خلقها؟ وكيف هذه المياه لا تفيض على اليابسة وتغرقها كلها كما غرقت أيام طوفان نوح؟ وكيف تسير هذه السفن الصغيرة في البحر وهي كالرياش في مهب الرياح؟ وكيف تقطع المسافات الطويلة من شرق إلى غرب ومن شمال إلى جنوب؟ وما بين السماء والأرض خلق لا يحصيهم إلا الله، كهذه الكواكب وهذه المجرات التي تعد بالملايين.
﴿وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِنْ دَابَّةٍ﴾ [الشورى: ٢٩]، فمن آيات قدرة الله ووحدانية الله وجلال الله خلق السموات والأرض، وكل ما علاك فهو سماء، فالأفلاك العلوية سماء بهذا المعنى، وما سفل فهو أرض، فما تحتنا هو أرض إلى سبع أرضين، ﴿وَمَا بَثَّ فِيهِمَا﴾ [الشورى: ٢٩] أي: في الأفلاك العلوية وفي الأفلاك السفلية من دابة، والدابة: هي كل ما يدب على وجه الأرض برجلين أو أربع أو يزحف على بطنه، وحتى الطائر الذي يطير فهو في البر يمشي على رجليه، ومعنى ذلك: أن في الأفلاك العلوية كذلك دواب تمشي كما تمشي دواب الأرض، لأنه قال: ﴿وَمَا بَثَّ فِيهِمَا﴾ [الشورى: ٢٩] أي: في الأفلاك العلوية وفي الأفلاك السفلية.
﴿وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ﴾ [الشورى: ٢٩] وأعاد الضمير جمع عقلاء مما يدل أن من بين هذه الدواب دواب عاقلة كعقلاء بشر الأرض.
﴿وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ﴾ [الشورى: ٢٩] (إذا) عندما تدخل على المضارع يصبح بمعنى الماضي، وإذا دخلت على الماضي حولته مضارعاً مثل: ﴿إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ﴾ [الواقعة: ١] فمعناه: عندما تقع، فهي لم تقع بعد، والواقعة: القيامة.
(إذا يشاء) إذا شاء، أي: سبق في علم الله أنه مقدر ذلك وأراده وشاءه، وسيكون يوماً من الأيام، هل نحن الذين سنلتقي بهم عندهم أم هم عندنا؟ أم أولادنا أم أسباطنا؟ الله وحده العليم بذلك.
والله يلفت أنظارنا في الكثير من آيات القرآن عند ذكره للسماء والأرض، فعلينا أن نتدبر السموات والأرض وما بينهما من هذه النجوم وهذه الأفلاك كالشمس، والقمر، والمشتري، والزهرة، وعطارد وغيرها، وهي ملايين الملايين لا يحصي عددها إلا الله، فكيف حملت في الفضاء؟ ومن حملها؟ كل هذا لم يفكروا فيه.
فالطائرة التي نركبها لو ذكرت قصتها لأجدادنا الذين لم يروها لما صدقوها، ولقالوا: إنك مجنون كيف يطير الحديد في الهواء؟ وكيف يطير بقليل من الماء؟ فهذا لا تقبله العقول ولكنه حدث، فآمنا به لرؤيتنا له.
وإذا سألتهم: كيف كان ذلك؟ فإنهم يذكرون لك خزعبلات وفلسفات، فيقال لهم: وكيف أحياناً تقع الطائرة ما دام الأمر كذلك؟ فهو كلام اخترعوه وحاولوا أن يذكروا فيه جهلهم، وما زادهم الجهل إلا عماية وضلالة على ضلال.


الصفحة التالية
Icon