معنى قوله تعالى: (وإن كثيراً من الناس بلقاء ربهم لكافرون)
قوله: ﴿وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ﴾ [الروم: ٨].
كثير من الناس، أي: الكفار كلهم، وأكثر الناس كافرون بلقاء ربهم وبالبعث بعد الموت وبالجنة والنار، وبالحساب والعقاب، وبالعرض على الله.
فهؤلاء الذين علموا ظاهراً من الحياة الدنيا كفروا بكل ما سوى الدنيا، فكفروا بالآخرة، وهم غافلون عنها وعن علومها ومعارفها، والدنيا لم يعلموا إلا شيئاً من ظاهرها، وسيقص الله علينا بعدُ أن الأمم التي مضت كانت أشد قوة من هذه الأمم، وأعظم سلطاناً، وأكثر حضارة، وأكثر قوة، وأكثر زراعة، وأكثر بناء.
فهم يريدون اليوم أن يقولوا للناس: بلغت الدنيا اليوم ما لم تبلغ بعصر من العصور، كذبوا على الله وأفكوا، بلغت اليهودية في ظلمها وطغيانها منتهاها، بلغت الصليبية بلغت الشيوعية بلغ الكفر بكل أشكاله وملله ونحله، أقصى ما يمكن أن يصل إليه هو ما ادعوه من حضارة ومن مخترعات ومن مستحدثات كل ذلك ليس إلا جزءاً قليلاً مما كان عليه الأمم السابقة والشعوب الماضية من حيث قوة البدن، وقوة العمل، وسلطان السلاح، والتغلب على الخلق والبشر.
فالله تعالى في هذه الآية يأمرنا بالتفكير في أنفسنا وبالتفكير في هذه السموات العلا، وذلك رحمة بنا لعلنا نؤمن ولعلنا نصْدُق مع أنفسنا، فليس في الدنيا كل شيء، فهناك علوم أخر لا يعلم هؤلاء عنها شيئاً، فيمرون عليها وهم عنها غافلون، ﴿وَتَرَاهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ﴾ [الأعراف: ١٩٨]، ﴿وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا﴾ [الأعراف: ١٧٩]، ولهم قلوب لا يعقلون ولا يفقهون بها، فهم كالأنعام بل هم أضل، فالأنعام تستفيد من حليبها ومن أولادها ومن شعرها، ويركب على ظهورها للسفر وقطع الآفاق، وأما الإنسان الكافر والإنسان الضال فموته خير من حياته، فهو يضيق على الناس أرزاقها، ويضيق على الناس مساكنها، فلا يظهر من دون الخلق إلا الشر والأذى، وإلا الطغيان والجبروت وإعلان الكفر ومحاربة الإسلام وأحباء الله من الدعاة إلى الله.


الصفحة التالية
Icon