تفسير قوله تعالى: (فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات)
قال تعالى: ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ﴾ [الروم: ١٥].
(أما) أي: اضرب عن القول السابق في عذاب الكافرين وعقباهم من لعنة في الدنيا ونار دائمة يوم القيامة ومن فرقة بين المؤمنين والكافرين هؤلاء إلى الجنة وهؤلاء إلى النار.
﴿فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ [الروم: ١٥]، يعني: أما الذين آمنوا بالله رباً وبمحمد ﷺ نبياً وبالإسلام ديناً وبالقرآن إماماً وبالمؤمنين إخوة وبالكعبة قبلة، ثم بعد هذا الإيمان القولي صدق الخُبر الخبر، فصدق الجنان اللسان، وصدقت الأركان الجنان، فصلوا لله جل جلاله خمس صلوات في اليوم والليلة، وصاموا شهر رمضان، وحجوا بيت الله الحرام إن استطاعوا إلى ذلك سبيلاً، وأدوا زكاة أموالهم إن كانوا يملكون النصاب ومضى عليه الحول، وتركوا المنكرات بكل أشكالها، قال صلى الله عليه وسلم: (ما أمرتكم به فافعلوا منه ما استطعتم، وما نهيتكم عنه فاجتنبوه).
والفعل يفعل قدر الطاقة والاستطاعة، وأما النهي فيكون باتاً كاملاً، فيتركون المنكرات والفواحش ظاهرها وباطنها، فهؤلاء الذين آمنوا وعملوا الصالحات ﴿فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ﴾ [الروم: ١٥].
والحبور: السرور وحضور النعمة.
والروضة مفرد الرياض، أي: الجنة والجنان.
فهم في الجنان مسرورون منعمون مكرمون، قد رحمهم ربهم لعبادتهم ولتوحيدهم ولعملهم الصالح، وفرق بينهم وبين أولئك الذين كانوا في دار الدنيا يهزءون بهم وبدينهم وبكتابهم وبنبيهم، وكان نتيجة كفر أولئك النار وغضب الله، وكان نتيجة صبر هؤلاء واستمساكهم بالدين الحق والإيمان والعمل الصالح أن أنعم عليهم وكرمهم في سرور وحبور ونعم دائمة، كما قال تعالى: ﴿لا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ﴾ [الواقعة: ٣٣]، وقال: ﴿وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الأَنفُسُ وَتَلَذُّ الأَعْيُنُ﴾ [الزخرف: ٧١]، وقال صلى الله عليه وسلم: (فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر).
وسنة الله في كتابه أنه يذكر رحمته مع غضبه، وغضبه مع رحمته، ويذكر الجنة ثم النار، والنار ثم الجنة، ويذكر المؤمنين وأعمالهم، ثم الكافرين وأعمالهم، بين الرجاء والخوف؛ حتى إذا رجا كثرت طاعته وابتعد عن الشرك، وإذا خاف ترك المنكرات ظواهرها وبواطنها، فتارة يصنع ذلك، وتارة يعرض عليه صور كأنه يراها رأي العين، وضرب الأمثال سنة الله في كتابه.