تفسير قوله تعالى: (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً)
قال تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [الروم: ٢١].
أي: ومن آيات الله وقدرته أن خلق لنا من أنفسنا زوجة لنجد السكون والطمأنينة والراحة بعد الشغل والتعب والعمل في الخارج، وجعل بين المرأة وزوجها مودة وهي: المحبة، ورحمة وهي الشفقة والرأفة، بعد أن لم يكن بينه وبينها نسب ولا صلة، ولا يسمح بوجودها قبل أن يتزوجها، ولا تسمح بوجوده قبل أن تتزوجه، ثم أصبحت له سكناً ومطمأناً ومرجعاً يجد عندها راحته وموضع أسراره وموضع شكواه ولا يحل محلها أحد على عظمة الأب وحرمة الأم وما يقال لها لا يقال للأب ولا للأم ولا للولد، فهي موضع السكن والمودة، فيودها وتوده، ويرحمها وترحمه، ويرؤف بها وترؤف به، ويشفق عليها وتشفق عليه.
﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ﴾ [الروم: ٢١]، أي: في هذا، ﴿لَآيَاتٍ﴾ [الروم: ٢١] وعلامات على قدرة الله الواحد، ﴿لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [الروم: ٢١]، أي: لهم عقول يديرونها في الفكر، ويفكرون بها ويخمنون ويحدثون ولا يعيشون سبهللاً كالدواب، بل يسألون أنفسهم: من خلقنا وأخرجنا إلى هذا العالم؟ وما هو أصلنا؟ وإلى أين نذهب؟ وهذا التفكر والاعتبار فرضه الله على كل إنسان، فهو في حق المؤمن واجب، وأما الكافر فلا يقبل منه إلا بعد أن يقول: لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقد خلق الله حواء يوم خلق آدم من ضلعه الأيسر، كما في الصحيحين: (إن الله أخذ ضلعاً من أضلاع آدم وقال له: كن أنثى فكان أنثى على صورة آدم)، ولكن يفترق عنها بأنها لا لحية لها ولا شارب، وأن آلة الأنوثة غير آلة الذكورة، وما سوى ذلك فالذكر والأنثى خلقة واحدة، فلكل واحد منهما عينان وشفتان وأذنان وعقل وسمع وبصر، ثم هذا الذي خلقه من أنفسنا جعل بيننا وبينه مودة ورحمة، وكل ذلك من علامات قدرة الله وآياته الدالة على ألوهيته ووحدانيته، وأنه القادر على كل شيء.