تفسير قوله تعالى: (وما آتيتم من رباً ليربوا في أموال الناس)
قال تعالى: ﴿وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُوا عِنْدَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ﴾ [الروم: ٣٩].
وهذا الربا هو الربا الحلال، وقد قال السلف: الربا ربوان: رباً حلال، ورباً حرام، والربا الحلال هو: أن تهدي لأحد هدية وتقصد بذلك ثوابه، ومقارضته، وتسمى في الفقه: هدية الثواب، وعطية الثواب، وهذا يسمى بأسامٍ مختلفة في كل قطر من الأقطار العربية والإسلامية بحسب لهجاتهم الخاصة، فبعضهم يقولون له: نقود، وبعضهم: صواف، وبعضهم: هدية مناسبة، وهو: أنه إذا تزوج صديق أو قريب لك ذهبت تهدي له وتعطيه ولا تريد بذلك إلا ثوابك في المستقبل بأن يهدي لك في هذه المناسبة مثل ما أهديت له، وأن يعطيك مثل ما أعطيته، فهذه تسمى هدية الثواب والفضل، تريد بذلك مجاملته، ليجاملك في المستقبل بهدية أكثر وعطاء أكبر، وقالوا: إن هذا العطاء ليس حراماً ولا حلالاً، ولا ثواب فيه ولا إثم؛ لأنك أعطيته من أجل شخص من الأشخاص ولم ترد بذلك الله والدار الآخرة، فإن أعطاك مثله فذاك، وإلا فتلك على نفسك.
وبعض الفقهاء يقولون: هذه حقوق وعطايا مرجوعة، بمعنى: أن من أهدى هدية ثواب وكان من أعراف وتقاليد البلد إنك أهديت له ثم جاءتك مناسبة ولم يعطك مثلها أن لك أن ترفع ضده قضية بأن يعيد لك الهدية التي أهديتها له فهذه حقوق مرجوعة، ولكن الفقه المالكي يقول: لا يحكم له برد الهدية إلا بليد، ولكن يحكم له بأنه ذميم إن كان ذلك عرفاً، وهو عرف في الأوساط العربية والإسلامية، فتجد الشخص يعطي هذا وهذا إلى المناسبات، ويتوق أن تأتيه مناسبة عرس أو ولادة أو عقيقة أو ما أشبه ذلك؛ حتى تتجمع له تلك العطايا؛ لأنها تكفيه وزيادة.
وبعض هؤلاء قد يعطون مثل هذه العطايا ولا ترجع لهم ولا يثابون عليها، فإن أرادوا رفع قضية فبعض الفقهاء يحكمون لهم بها مع دناءة، وليس لهم أجر من الله؛ لأنهم لا يفعلون ذلك لله، ويسمى ذلك ربا الثواب، وقالوا: إنه رباً حلال، فهو يعطيك عشرة مثلاً وينتظر منك غداً أو بعد غد عشرين، وليس هذا بيعاً، والربا الحرام إنما هو في البيوع، وأما المعاملات كأن يكون عليك عشرة ديناً وترد أحد عشر أو أكثر من ذلك فليس هو من الربا الذي تهدد الله فاعله بحرب منه.
قال ابن عباس: حرب الله للمرابي أن يقتل، ولعذاب الآخرة أشد وأنكى.
وفي قوله تعالى: ﴿وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا﴾ [الروم: ٣٩] سماه الله رباً ولم يحرمه ولم يذكر عليه ثواباً ولا أجراً، ومن هنا قال السلف: الربا ربوان: رباً حلال، وهو الذي يسمى في الفقه بعطية الثواب، وبهدية الثواب، ورباً حرام.
وقوله: ﴿وَمَا آتَيْتُمْ﴾ [الروم: ٣٩] قرئت هكذا، وقرئت: (وما أتيتم)، والمعنى واحد.
وقوله: ﴿وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ﴾ [الروم: ٣٩].
أي: مهما أعطيتم من مال تريدون بذلك أن تزداد أموالكم، ﴿فَلا يَرْبُوا عِنْدَ اللَّهِ﴾ [الروم: ٣٩].
أي: فلا ثواب عليه عند الله، ولا يزداد عنده شيئاً ما دام الذي فعله لم يرد بذلك إلا ثواب الناس ووجههم، ولم يرد بذلك الله ولا الدار الآخرة ولا وجهه الكريم.
وقوله: ﴿وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ﴾ [الروم: ٣٩] قرئت هكذا، وقرئت: (لتِرْبُوا في أموال الناس)، والمعنى واحد، أي: لتكثروا أموالكم بذلك، فهذا الذي يكون أساسه ذلك، ﴿فَلا يَرْبُوا عِنْدَ اللَّهِ﴾ [الروم: ٣٩] أي: لا ثواب عليه، كما لم يذكر عليه إثماً وعقوبة.
قال تعالى: ﴿وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ﴾ [الروم: ٣٩].
أي: وما أعطيتم من عطية، والعطية تسمى زكاة وهبة وصدقة وهدية، فإذا أراد بزكاته وجه الله الكريم وثوابه وأجره وامتثال أمره في النفقة والإنفاق والعطاء، (فأولئك هم المضعفون) أي: هم الذين يضعف الله أموالهم وحسناتهم، بمعنى: يضاعف لهم العطاء الواحد إلى عشرة إلى سبعمائة ضعف إلى ما شاء الله من الأضعاف، وهو الربا الذي يقبله الله ويثيب معطيه، فمن أعطى عطية لا يريد بها إلا الله والدار الآخرة فذاك الذي يقبل الله منه، ويكثر أمواله وينميها ويكون من المضعفين ومن الذين يثيبهم الله على زكاتهم وعطاياهم رحمات وبركات من عنده في الدنيا والآخرة بما لا يعد ولا يحصى كما يريد الله ويعلم من نية المعطي، وهل أعطى ذلك راجياً فضل الله وكرمه وامتثال أمره، أو قصد بذلك الرياء والسمعة؟ فلا يقبل الله إلا ما كان خالصاً لوجهه الكريم.