تفسير قوله تعالى: (فانظر إلى آثار رحمة الله)
قال تعالى: ﴿فَانظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَةِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِ الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [الروم: ٥٠].
أي: فانظر يا محمد ولتنظر معك أمتك نظر تدبر، ونظر اعتبار، ونظر قلب إلى آثار رحمة الله، فرحمة الله هنا الغيث والمطر، وآثار ذلك أن الأرض التي كانت يابسة أينعت واخضرت وأثمرت ورعى فيها الدواب والطير، وأكل من نبتها وحبها الإنسان، وأتت بالثمرات من كل زوج بهيج، فعاشوا على ذلك، وصحوا على ذلك، وانتشر الخصب والخير.
ولا يستطيع أن يفعل ذلك إلا الله، وهو وحده المشكور على ذلك، والمحمود عليه.
وقوله تعالى: ﴿فَانظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَةِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا﴾ [الروم: ٥٠].
أي: انظر كيف كانت الأرض يابسة قد سقط شجرها، وثمارها قد يبست، وأوراقها قد تحاتت، وإذا بها أصبحت ميتة، فما كاد ينزل هذا الغيث إلا وظهر أثر رحمة الله فيها، فاخضرت الأرض وأينعت وأتت من حبها وثمراتها ما أغيث به كل حي إنساناً وحيواناً وطيراً.
وقوله تعالى: ﴿إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِ الْمَوْتَى﴾ [الروم: ٥٠].
ضرب الله ذلك مثلاً لمنكري البعث، يقول لهم: خذوا الدليل على الغائب بالشاهد، قد رأيتم الأرض ماتت ويبست وأجدبت وتحات شجرها فتساقط ثمرها، وجاع الخلق إنساناً وحيواناً وطيراً، وإذا الأرض بأثر رحمة الله من مطره وغيثه آتت من كل زوج بهيج، فاهتزت وربت وحيت، وعادت حية بعد أن كانت ميتة.
فالذي أحياها بعد الموت هو محيي الموتى بعد كذلك، فانظروا الشاهد فخذوا منه المثال للغائب.
فيا هؤلاء الذين تتعجبون وتكادون تنكرون بأن الإنسان بعد أن يصبح رمة، وتراباً كما كان، كيف يعود؟ قال تعالى: ﴿وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾ [يس: ٧٨ - ٧٩].
فالذي أوجد الإنسان من العدم أهون عليه - والكل عليه هين - أن يعيده تارة أخرى كما كان وأكمل وأصح.
وكذلك الذي أحيا الأرض وقد أصبحت ميتة قادر على أن يحيي الموتى من الناس ومن غيرهم من خلق الله.
وقوله تعالى: ﴿وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [الروم: ٥٠] أي: الله الخالق لذلك، ذو الآيات البينات والبراهين القاطعات، هو القادر على كل شيء، القادر على أن يحيي الموتى، كما أوجدهم من العدم بعد أن لم يكونوا.
وقد مضى دهر من الزمن لم يكن الإنسان فيه شيئاً مذكوراً، لا وجود له لا شبحاً ولا روحاً، وإذا به قد وجد على غير مثال سابق، الذي أوجده على غير مثال سابق وأحيا الأرض بعد موتها، قادر على أن يعيد حياة الإنسان للحياة مرة ثانية، فهو القادر على كل شيء جل جلاله.