تفسير قوله تعالى: (قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالاً)
قال الله تعالى لنبيه: ﴿قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا﴾ [الكهف: ١٠٣ - ١٠٤].
أي: قل يا محمد لهؤلاء: هل نخبركم بمن فسد عمله وضل عقله وضاع كل ما صنعه من أعمال يظنها حسنات وعبادات؟ إن خسارتهم أشد من غيرهم، وفسادهم أطم من غيرهم، فإنهم خسروا أعمالهم في الآخرة، وخسروا حياتهم في الوقت الذي يظنون أنهم يحسنون صنعاً، أي: حال كونهم يعملون ويتعبدون وقد يتصدقون ويفعلون الطاعات والنوافل ولكن عملهم قد ضل وتاه وصار في ضلال ولم يكن في رشاد وفي هداية فخسروا أنفسهم وأعمالهم ولم يكن لهم إلا الخزي والدمار واللعنة والغضب.
والآية تعني النصارى واليهود وأمثالهم من المبتدعة في الإسلام ومن مختلف الملل والنحل، فترى الذي يقول: إنه تبتل وترهب وقصر حياته على العبادة ولم يتزوج ليتفرغ للعبادة ولم يعمل عملاً لكيلا يشتغل عن العبادة، وقد يتتبع الجبال والكهوف والمغارات وفي هذه الحالة يضل يومه صائماً وليله قائماً وهو يتلو الكفريات المخزية، تارة يبكي على عيسى ويناديه بالألوهية، وتارة يقول: يا أبانا الذي في السماء، وهو لا يزداد بذلك إلا كفراً وشركاً! وكذلك الذي يعيش حياته وهو يظن أنه يعبد وأنه يطيع مثل المجوس الذين يدخلون إلى دور النار وأشكالها وأنواعها ويخرجون منها حفاة عراة مكشوفي الرءوس وهم يزعمون أنهم في عبادة وأنهم في زهد وأنهم في انقطاع، وقد يمدون أيديهم ويذلون أنفسهم ويزعمون أن ذلك لربهم، وأن ذلك ذل وخنوع لله لكيلا يكون لهم أي نوع من التكبر على الخلق وعلى ربهم، هؤلاء الذين يظنون أنهم يعملون عملاً صالحاً، وقس عليهم فئات زعمت في الأصل أنها مسلمة كالقاديانية التي زعمت عن الغلام القادياني الجاسوس البريطاني أنه نبي مرسل فأضلهم وأفسدهم واخترع لهم كتاباً زعم أنه أنزل عليه.
وقل مثل ذلك عن البهائية التي هي فرع من اليهودية، وقل مثل ذلك عن الوجودية الذين يعيشون للوجود بشهواتهم ونزواتهم يعبدونها ويقولون: هكذا خلقهم الله وعلى ذلك يجب أن يعيشوا، وقل مثل ذلك عن الماثونية وعن الشيوعية وعن الاشتراكية وعن كل شيء خلا من قال الله وقال رسول الله.
سئل الإمام البخاري رضي الله عنه: من المسلم؟ قال: المسلم الذي لم يكن له لقب آخر مع كلمة مسلم، لا يقول: مسلم قادياني، أو مسلم وجودي، أو مسلم ماثوني، أو مسلم شيوعي، فعندما يضم لكلمة مسلم كلمة من هذا النوع يكون مشركاً كافراً ضالاً مضلاً ادعى الإسلام وهو منه بريء.
وقل مثل ذلك عمن تلاعب بالقرآن والسنة، فمن الضلال من أنكر السنة البتة، أو ألغى النصوص من القرآن والسنة وزعم أن ذلك للمصلحة العامة، وذاك رجل كان في القرن الثامن اسمه الطوفي ترجم له الحافظ في الدرر الكامنة وزعم أنه شيعي وما هو بمسلم، وكتابه طبع ونشر ووزع منه عشرات الآلاف، وكلما ينتشر منه يزداد الناس ضلالاً، يزعم ويقول: من المصلحة العامة للإنسان أن يلغي نصاً من القرآن والسنة، وهكذا أخذ ذلك من أئمة الكفر والضلال ممن زعموا الإسلام إلى أن تركوا حكم القرآن والسنة، ورجعوا لحكم اليهود والنصارى، وأبعدوا الإسلام من برامج ومناهج التعليم ومن تربية الأولاد، وهكذا نشروا الفساد في الأرض فكانوا سادة وكبراء مع فرعون وهامان وقارون، وهم مع ذلك لا يزالون يزعمون أنهم مسلمون وممن قال الله عنهم: ﴿قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا﴾ [الكهف: ١٠٣]، أي: بالذين هم أكثر خسارة في أعمالهم حين يزعمون أنها عبادة.
﴿الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ [الكهف: ١٠٤] أي: الذين ضل عملهم وخدمتهم، وما كتبوه وأذاعوه ودرسوه ونشروه وبذلوا عليه من وقت ومال وجاه في حياتهم الدنيا، فهؤلاء الذين ضل سعيهم وأعمالهم يظنون أنهم يحسنون صنعاً وما أحسنوا إلا الفساد، وما أتقنوا إلا عبادة الشيطان وعبادة أئمة الكفر.
وقد جمع رسول الله ﷺ صفة الفئة الناجية في كلمة ما أبلغها وأفصحها! عندما قال عليه الصلاة والسلام: (افترقت اليهود على واحد وسبعين فرقة، وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة، وستفترق أمتي -أي: المسلمون ممن يدّعون ذلك عموماً- على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة، قيل: يا رسول الله من هي؟! قال: ما أنا عليه وأصحابي).
ومن هنا كانت السيرة النبوية التي يقول الله فيها: ﴿لَقَدْ كَان لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾ [الأحزاب: ٢١]، حيث يجب على كل مسلم كبير أو صغير طالب أو معلم رجل أو أنثى أن يتعلمها ويتدارسها ويعيش مع واقعها قصصاً وفقهاً وفهماً واستنباطاً؛ ليكون الرسول الأعظم إمامنا وهادينا ونبينا حقاً، فنأتسي به صلاة وصياماً وزكاة وحجاً وجهاداً وهدياً وسلوكاً، وما زاد على ذلك ففي النار، وهو من الفئة الضالة.
والصحابة السابقون الأولون هم كما وصفهم الله من المهاجرين والأنصار والذين جاءوا من بعدهم، وأما الفئة الضالة فهي تلك التي ارتدت عندما مات نبي الله عليه الصلاة والسلام، والتي امتنعت عن أداء الزكاة، وأما الصحابي فهو من رأى رسول الله عليه الصلاة والسلام مسلماً وعاش ومات على ذلك، وأما أولئك الذين بدلوا وغيروا وارتدوا وكانوا يزعمون أنهم صحابة فهم الذين ورد فيهم عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنهم يطردون ويدفعون عن حوضه في يوم القيامة، فيقول النبي عليه الصلاة والسلام: (أصحابي أصحابي! فيقال له عليه الصلاة والسلام: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فيقول عليه الصلاة والسلام: سحقاً سحقاً)، والسحق: هو اللعنة والطرد من الجنة.