تفسير قوله تعالى: (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلاً)
قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا * خَالِدِينَ فِيهَا لا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا﴾ [الكهف: ١٠٧ - ١٠٨].
يقرن الله تعالى في كتابه بين أهل النعيم وأهل الجحيم، وبين من رضي عنهم ومن غضب عليهم؛ لتكون المقارنة باستمرار بين الصالح والطالح، وبضدها تتميز الأشياء، كما تقول الحكمة العقلية.
فقوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ [الكهف: ١٠٧].
يقتضي أنه لابد مع الإيمان من عمل الصالحات: من صلاة وصيام وحج وزكاة وأنواع العبادات، وأهم ذلك الأركان الخمسة.
وقوله: ﴿كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا﴾ [الكهف: ١٠٧].
قد أخبرنا ﷺ أن الفردوس أعلى منازل الجنة، وهي منازل الأنبياء والمرسلين، وقد يكون المؤمن مع الأنبياء والمرسلين في منازلهم لحبه ولتعلقه بهم، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (أنت مع من أحببت)، وقال: (يحشر المرء مع من أحب)، فحب الله وحب رسوله والصالحين يرفع الإنسان إلى مقامهم.
والجنان درجات كثيرة وما بين كل درجة ودرجة كما بين السماء والأرض، والفردوس أعلاها وليس فوقها إلا عرش الرحمن، ومنه تتفجر أنهار الجنة.
وكما كانت جهنم منزلاً ومكاناً للكافرين ينزلون فيه، فإن جنات الفردوس للمؤمنين منازل ومأوى دائماً أبداً سرمداً.
وقوله تعالى: ﴿خَالِدِينَ فِيهَا لا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا﴾ [الكهف: ١٠٨].
كثيراً ما يتساءل الناس: ألا يمل الإنسان في الجنة، فيتخيلون الجنة كالنعيم في الأرض، فهم يأكلون اللحم باستمرار فيملونه، ويعيشون على البحار وشواطئها فيملونها، أما نعيم الجنة فلا يملون منه، فلهم فيها كل جديد في كل وقت وحين، وقد يتنقلون بين الدرجات في الجنان فيتزاورون مع المؤمنين وخاصة مع أرحامهم وإخوانهم الذين أكرموا معهم بالجنان، وقد يكون بعضهم أعلى درجة والآخر أنزل درجة فيزور هؤلاء هؤلاء، ومن هم في أعلى درجة يرفعون إليهم من هم في أدنى درجة، ولذلك فإنهم لا يتحولون عنها كما نتحول في الدنيا من دار إلى دار ثم نملها، ونسكن البلدة فيمضي عليها سنوات ثم نملها، وتتغير فصول السنة ثم نملها، فمن عاش في الصحاري ملها ويريد أن يعيش في شواطئ البحار أو في أعالي الجبال أو في محل الخضرة، فنعيم الدنيا زائل وهي فانية، ولم يكن كذلك في الجنان، فالمؤمن في الجنة في كل ساعة له شيء جديد، فلا يريد التحول عنها ولا يريد الخروج منها، فالمتعة فيها دائمة متنوعة لا تمنع ولا تنقطع مع التشكل ومع التجدد في كل ذلك، فأهل الجنة لا يريدون التحول منها بحال.