تفسير قوله تعالى: (فاصبر إن وعد الله حق)
قال تعالى: ﴿فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ﴾ [الروم: ٦٠].
أي: فاصبر يا محمد على كفر هؤلاء وعلى شتمهم وجحودهم، وذلك قبل أن يفرض الجهاد.
فهذه السورة مكية، والجهاد لم يؤذن به في مكة، إن هو إلا الصبر، يأمر الله به رسوله، ويأمر به رسوله الناس، فكان رسوله عليه الصلاة والسلام يمر على أتباعه وهم يعذبون، ولا يجد لهم أكثر من أن يقول: (صبراً آل ياسر؛ إن موعدكم الجنة).
يأتون إليه يريدون الحرب والقتال فيقول لهم: (لم أومر بهذا بعد)، ولم يؤذن بالقتال إلا في المدينة المنورة عند نزول أول آية في الأمر بالقتال: ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ﴾ [الحج: ٣٩].
فعندما استأذن المؤمنون رسول الله للقتال وكرروا ذلك أذن الله لهؤلاء الذين شهد بأنهم قد ظلموا، وأخرجوا من ديارهم بغير حق، وقوطعوا، وأخذت أموالهم وأولادهم وأملاكهم وطردوا من بيوتهم إلى بيوت غريبة وأرض غريبة، إذ ذاك أذن الله لهؤلاء المظلومين أن يقاتلوا فنصرهم.
فقوله تعالى: ﴿فَاصْبِرْ﴾ [الروم: ٦٠] وقد فعل ﷺ ذلك.
وقوله تعالى: ﴿إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ﴾ [الروم: ٦٠].
أي: ما وعدك الله به يا محمد من نصر، وتفوق، وسحق للأعداء، وعودتك لمكة فاتحاً منتصراً معززاً، إذ أنزل عليك وأنت لا تزال في الطريق إلى المدينة مهاجراً: ﴿إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ﴾ [القصص: ٨٥] فهو رادك لا محالة، وستحكم فيها كيف شئت، وتتصرف في رقابهم كيف شئت.
فما وعدك الله به من نصر ونشر للإسلام في مختلف بقاع الأرض مشارق ومغارب، شمالاً وجنوباً، كل ذلك واقع لا محالة، فالذي وعد بذلك الله الذي لا يخلف الميعاد.
وقوله تعالى: ﴿وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ﴾ [الروم: ٦٠].
الأمر له لأمته كذلك، أي: لا يدعوك للخفة: خفة العقل والعمل والقرار المتسرع، وإياك أن تتبعهم أو أن تسايرهم في سلوك أو في دعوة أو في عمل.
وقوله تعالى: ﴿وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ﴾ [الروم: ٦٠].
أي: الذين لا يوقنون بيوم البعث، ولا يوقنون بك نبياً رسولاً، ولا يوقنون بأن الإسلام دين حق، وبأن القرآن كلام الله الحق، هؤلاء لا تهتم بهم ولا تلتفت إليهم، وإياك أن يستخفوك بأن تكون خفيف العقل، والسمع، أو تغتر أمتك بالكافرين، ويتبعون أعمالهم ويقولون بفلسفتهم ويتأثرون بدينهم.
وبهذا نكون ولله الحمد قد ختمنا سورة الروم، ودخلنا في سورة لقمان.


الصفحة التالية
Icon