تفسير قوله تعالى: (ولئن أرسلنا ريحاً)
قال تعالى: ﴿وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحًا فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا لَظَلُّوا مِنْ بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ﴾ [الروم: ٥١].
قوله تعالى: ﴿وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحًا﴾ [الروم: ٥١] ذكر الريح مفرداً في القرآن للعذاب وللجدب وللعقوبة.
وإذا ذكر مجموعاً فهو للخيرات، قال تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ﴾ [الروم: ٤٦]، فالرياح مبشرات بالخصب والبركات.
وقوله تعالى: ﴿فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا﴾ [الروم: ٥١] أي: أثر هذا الريح رأوه مصفراً، وما أثره إلا الشجر والنباتات وأوراق الشجر القائم بنفسه.
فإذا رأوه مصفراً فيعني ذلك يبسه وموته وعدم إثماره ونهاية حياته، فإذا رأوا ذلك كفروا بالنعم السابقة، وضلوا من بعد هذا الريح الذي اصفر له الأشجار والنباتات والزروع والثمار والخضروات بجميع أشكالها، وزادهم كفراً وزادهم معصية وجحوداً وضلوا من بعده يكفرون، أي: ضلوا من بعد إرسال هذه الريح الصفراء التي كان من أثرها أن اصفرت الأشجار وكل شيء أخضر على وجه الأرض.
فلما رأوا هذا المنظر لم يحمدوا الله ولم يصبروا ولم يرجوا رحمته ويخافوا عذابه، بل أعلنوا بالكفر والجحود ونسوا ما سبق ذلك من خيرات وبركات، ومن أمطار مغيثات.
وهذا شأن الكافر يؤمن على حرف، فإن آتاه الله خيراً وجد ذلك وكأنه من نفسه، وإن وجد غير ذلك تجده يائساً مبلساً، يعلن الكفر بلسانه وحاله، وهذا بخلاف المؤمن.
يقول النبي عليه الصلاة والسلام: (عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله له خير، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له).
فهو على كل الأحوال صابراً وشاكر، شاكر على نعمه، وصابر على بلائه، إن ابتلي رجى الله ودعاه أن يرفع عنه بلاءه وهو مع ذلك صابر، وإن أنعم عليه شكر الله بلسانه وزاد الشكر بالعمل والنفقات وكثرة الصدقات للعائل وللمحروم وللسائل وللقريب في الدرجة الأولى.