تفسير قوله تعالى: (هذا خلق الله فأروني ماذا خلق الذين من دونه)
قال تعالى: ﴿هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ﴾ [لقمان: ١١].
أي: يا هؤلاء! ويا أيها المشركون! ويا أيها الكافرون! هذا خلق الله، فهذه السماوات مرفوعة بغير عمد، والدواب المبثوثة في مختلف بقاع الأرض والأمطار التي تنزل غيثاً لكل زوج كريم بهيج في الأرض هي خلق الله، خلقها بقوله: (كن) فكانت.
قال تعالى: ﴿فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ﴾ [لقمان: ١١]، أي: هؤلاء الذين تشركونهم مع الله وتجعلونهم شركاء معه أخلقوا خلقاً مثل خلقه؟ أم لهم سماوات انفردوا بخلقها أو أعانوا في خلقها؟ وهل هناك إنسان خلقوه؟ وهل أنتم ممن خلقوه؟ وهل رزقوكم أو أطعموكم أو أحيوكم أو شفوكم من مرض؟ وهل نفعوكم أو ضروكم؟ فإذا كان الأمر كذلك ﴿فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ﴾ [لقمان: ١١]، فهؤلاء الشركاء الذين جعلتموهم شركاء مع الله ماذا خلقوا؟ ودع عنك هذا الكلام أيها السامع! فهو إنما يجادل به هؤلاء ليقفوا على جهلهم، وليقف المؤمنون ويزدادوا إيماناً ويقيناً بأن هؤلاء كفرة لا منطق لهم من عقل ولا من نقل ولا من فهم ولا من رسالات سماوية ولا من فلسفات أرضية، وإنما هي جهالات لا يقولها إلا مجنون ذاهب العقل والفهم.
قال تعالى: ﴿بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ﴾ [لقمان: ١١].
أي: بل المشركون، والظلم هنا: الشرك، والمعنى: بل الكافرون في ضلال وضياع وظلام، في كفر وشرك مبين ظاهر لذي عينين وعقل وفهم وإدراك، فهم لا دليل لهم على شركهم ولا برهان لهم على أعمالهم ولا شركائهم، فهم لم يخلقوا خلقاً كخلق الله أو يعينوا في خلق الله، فهم أبعد وأذل وأجهل من ذلك، وهم خلق من خلق الله، ولكن هؤلاء ضلوا فأضلوا، واتخذوا من الحجارة ومن خلق الله شركاء: ﴿إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ﴾ [النجم: ٢٣].