تفسير قوله تعالى: (وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما)
قال الله تعالى: ﴿وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [لقمان: ١٥].
أي: إذا أمرك الوالدان بمعصية الله وأمراك بالكفر والشرك فلا تطعهما، حتى وإن جاهداك وأجهدا أنفسهما وبذلا كل قدرة وطاقة على أن تشرك بربك وتكفر بدينك وتتنكر لنبيك فهنا لا يطاعان، بل يجب أن يعصيا؛ لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، هذا أصل ودستور من دساتير المسلمين الذي هو في المادة الأولى من دستور المسلمين العام، فلا يطاع حاكم ولا ملك ولا رئيس ولا أب ولا أم فيما إذا أمروك بالكفر بالله، أو بشرب الخمر، أو بإلغاء أحكام الله وبجعل القرآن خلفك ظهرياً، وبعدم الاهتمام بدينك.
وعلى ذلك فهؤلاء الحكام والدول التي تسمي نفسها دولاً إسلاميه وهي تبيح الربا وتبيح الخمر وتبيح المعاصي وتبيح الفواحش وتلغي أحكام الله أمراً ونهياً في محاكمها لا تطاع ولا كرامة، وإن أحلفوك بأن كنت قاضياً مثلاً -فإنهم يحلفون القضاة على القرآن وبالله بطاعة أحكامهم والخضوع لأحكامهم- فلا يمين ولا طاعة لمكره، على أن القضاء لأمثال هؤلاء حكم بالباطل، وتعاون على الشر والكفر، وتعاون على معصية الله، ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
فقوله: ﴿وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا﴾ [لقمان: ١٥] أي: إن بذل الوالدان الجهد من أنفسهما على أن تشرك بالله وتكفر به فلا تطعهما ألبتة، فإن أنت فعلت كنت في النار وبئس المصير؛ لأن الطاعة هنا تقف، الطاعة لا تكون إلا في معروف من شئون الدنيا، أما إذا بلغت أن تكون الطاعة في معصية الله فلا، فالله المطاع أولاً، والواجب أن يطاع الله في كل ما أمر به، وأن يترك كل ما نهى عنه.
وسبب نزول هذه الآية كما قال سعد بن أبي وقاص: إنها من أجله نزلت هذه الآية، فقد آمن سعد وهو من الرعيل الأول من قريش من أهل مكة، وكان باراً بأمه في الجاهلية، فعندما أسلم وآمن امتنعت أمه عن الطعام حتى يعود إلى دين آبائه، فأبى ذلك، ثم عادت أمه فأكلت.